للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنه وطء يتعلّق بتحريمه مالٌ، فلم يتجاوزه التحريم، كوطء الحائض انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول الأول هو الراجح؛ لظاهر قوله: "لا تقربها"، فإن القربان يشمل الجماع، وغيره من أنواع التلذّذ بها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): اتّفق أهل العلم على أن المظاهر يحرم عليه وطء امرأته التي ظاهر منها قبل أن يكفّر، إذا كانت الكفّارة عتقًا، أو صومًا؛ لقول اللَّه تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣ - ٤] وقوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣ - ٤]. واختلفوا فيما إذا كان التكفير بالإطعام، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه مثل ذلك، وأنه يحرم وطؤها قبل التكفير، منهم: عطاء، والزهريّ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي.

وذهب أبو ثور إلى إباحة الجماع قبل التكفير بالإطعام. وعن أحمد ما يقتضي ذلك؛ لأن اللَّه تعالى لم يمنع المسيس قبله، كما في العتق والصيام.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قول الأولين هو الصواب؛ لحديث الباب؛ فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "لا تقربها حتى تكفّر"، ولم يخصّ نوعًا من الكفّارة، دون نوع، بل أطلق النهي عن القربان قبل التكفير. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٤٨٥ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ, عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ, عَنْ عِكْرِمَةَ, قَالَ: تَظَاهَرَ رَجُلٌ مِنِ امْرَأَتِهِ, فَأَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ, فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم - «مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟» , قَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ, يَا رَسُولَ اللهِ, رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا, أَوْ سَاقَيْهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «فَاعْتَزِلْهَا, حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير الحكم، كما تقدّم في الحديث الماضي.

وقوله: "رحمك اللَّه يا رسول اللَّه " قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: الظاهر أنّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بدأ بالدعاء بالرحمة، فقال له: "يرحمك اللَّه"، كما تقدّم، فقابله الرجل بمثل ذلك، أو بأحسن منه، حيث استعمل صيغة المضيّ، ووقع الاختصار من الرواة، فنقل البعض الأول، والبعض الآخر. وفي تقرير النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على ذلك دلالة على جواز الدعاء


(١) "المغني" ١١/ ٦٧ "كتاب الظهار".