للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولكن الشأن في كون قصّة ثابت صريحة في كون الخلع طلاقًا (١). وسيأتي تمام البحث في ذلك قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[فائدة]: نقل ابن عبد البرّ عن مالك -رحمهما اللَّه تعالى- أن المختلعة هي التي اختلعت من جميع مالها، وأن المفتدية هي التي افتدت ببعض مالها، وأن المبارئة هي التي بارأت زوجها قبل الدخول. قال ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-: وقد يُستعمل بعض ذلك في موضع بعض انتهى (٢).

(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في حكم الخلع:

قال العلامة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: إذا كرهت المرأة زوجها لخَلْقِه، أو خُلُقه، أو دينه، أو كبره، أو ضعفه، أو نحو ذلك، وخَشِيت أن لا تؤدّي حقّ اللَّه تعالى في طاعته، جاز لها أن تُخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه؛ يقول اللَّه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: ٢٢٩]، ولحديث امرأة ثابت ابن قيس - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب. قال: وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام. قال ابن عبد البرّ: ولا نعلم أحدًا خالفه إلا بكر بن عبد اللَّه المزنيّ، فإنه لم يُجزه، وزعم أن الآية منسوخة بقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} الآية [النساء:٢٠]. وروي عن ابن سيرين، وأبي قلابة أنه لا يَحِلّ الخلع حتى يجد على بطنها رجلاً؛ لقول اللَّه تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} الآية [النساء: ١٩].

وحجة الجمهور الآية، والخبر المتقدّمان، وأنه قول عمر، وعثمان، وعليّ، وغيرهم من الصحابة، ولم يُعرف لهم مخالفٌ في عصرهم، فيكون إجماعًا، ودعوى النسخ لا تُسمَع حتى يثبت تعذّر الجمع، وأن الآية الناسخة متأخّرة، ولم يثبت شيء من ذلك. انتهى كلام ابن قدامة بتصرف (٣).

وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- وقال أبو قلابة، ومحمد بن سيرين: لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلاً. أخرجه ابن أبي شيبة، وكأنهما لم يبلغهما الحديث. واستدلّ ابن سيرين بظاهر قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. وتُعُقْب بأن آية البقرة فسّرت المراد بذلك، مع ما دلّ عليه الحديث.

قال الحافظ: ثم ظهر لي لما قاله ابن سيرين توجيهٌ، وهو تخصيصه بما إذا كان ذلك


(١) "فتح" ١٠/ ٥٠٦. "كتاب الطلاق".
(٢) المصدر المذكور.
(٣) "المغني" ١/ ٢٦٧ - ٢٦٨.