من قبل الرجل بأن يكرهها، وهي لا تكرهه، فضاجرها؛ لتفتدي منه، فوقع النهي عن ذلك، إلا أن يراها على فاحشة، ولا يجد بيّنةً، ولا يُحبّ أن يفضحها، فيجوز حينئذ أن يفتدي منها، ويأخذ منها ما تراضيا عليه، ويطلّقها، فليس في ذلك مخالفة للحديث؛ لأن الحديث ورد فيما إذا كانت الكراهة من قبلها.
واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق بينهما جميعًا، وإن وقع من أحدهما لا يندفع الإثم. وهو قويّ موافقٌ لظاهر الآيتين، ولا يُخالف ما ورد فيه. وبه قال طاوس، والشعبيّ، وجماعة من التابعين.
وأجاب الطبريّ وغيره عن ظاهر الآية بأن المرأة إذا تقُم بحقوق الزوج التي أُمرت بها، كان ذلك منفّرًا للزوج عنها غالبًا، ومقتضيًا لبغضه لها، فنُسبت المخالفة إليهما لذلك، وعن الحديث بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يستفسر ثابتًا، هل أنت كارهها، كما كرهتك، أم لا؟ انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الجمهور من جواز الخلع، إذا حصل الشقاق من قبل المرأة فقط هو الأرجح عندي؛ لظاهر حديث امرأة ثابت - رضي اللَّه تعالى عنهما -, ولا يعارض ظاهر الآية، كما أشار إلى ذلك الطبريّ في كلامه المذكور آنفًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في جواز الخلع بأكثر مما أعطاها من الصداق:
قال العلامة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: أكثر أهل العلم على أنه يصحّ الخلع بأكثر من الصداق، وأنهما إذا تراضيا على الخلع بشي صحّ، روي ذلك عن عثمان، وابن عمر، وابن عبّاس، وعكرمة، ومجاهد، وقبيصة بن ذؤيب، والنخعيّ، ومالك، والشافعيّ، وأصحاب الرأي.
وُبروى عن ابن عبّاس، وابن عمر - رضي اللَّه عنهم - أنهما قالا: لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها، وعقاص رأسها، كان ذلك جائزًا. وروي ذلك عن عليّ - رضي اللَّه عنه - بإسناد منقطع، واختاره أبو بكر، قال: فإن فعل ردّ الزيادة. وعن سعيد بن المسيّب قال: ما أرى أن يأخذ كلّ مالها، ولكن ليدعْ لها شيئًا.
واحتخوا بحديث قصّة امرأة ثابت بن قيس - رضي اللَّه تعالى عنهما - المذكور في الباب، وفي رواية ابن ماجه:"فأمره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يأخذ منها حديقته، ولا يزداد"، ولأنه