وعطاء، والزهريّ مثله. وهو قول أبي حنيفة، وأحمد، واسحاق. وأخرج إسماعيل بن إسحاق، عن ميمون بن مهران:"من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرّح بإحسان".
ومقابل هذا ما أخرج عبد الرزّاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيّب، قال: ما أُحبّ أن يأخذ منها ما أعطاها, لياع لها شيئًا". وقال مالك: لم أزل أسمع أن الفدية تجوز بالصداق، وبأكثر منه؛ لقوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، ولحديث حبيبة بنت سهل - رضي اللَّه تعالى عنها -، فإذا كان النشوز من قبلها حلّ للزوج ما أخذ منها برضاها، وإن كان من قبله لم يحلّ له، ويردّ عليها إن أخذ، وتمضي الفرقة. وقال الشافعيّ: إذا كانت غير مؤدّية لحقّه، كارهةً له حلّ له أن يأخذ، فإنه يجوز أن يأخذ منها ما طابت به نفسًا، بغير سبب، فبالسبب أولى. وقال إسماعيل القاضي: ادّعى بعضهم أن المراد بقوله تعالى: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} أي بالصداق، وهو مردود؛ لأنه لم يقيّد في الآية بذلك انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما تقدّم عن الجمهور أنه يستحبّ أن لا يأخذ أكثر مما أعطاها أولى؛ جمعًا بين إطلاق الآية، وما ورد من النهي عن أخذ الزيادة، فهو وإن كان مرسلاً، لكنه يعتضد بكثرة طرقه.
والحاصل أن الجمع يحمل النهي عن أخذ الزيادة على التنزيه أولى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في جواز الخلع بلا سبب:
ذهب بعضهم إلى أنها لو خالعت من زوجها، لغير بغض، وخشية عدم قيامها بحدود اللَّه كره لها ذلك، وصحّ الخلع، وهذا قول أكثر أهل العلم -كما قاله ابن قدامة- منهم ة أبو حنيفة، والثوريّ، ومالكٌ، والأوزاعيّ، والشافعيّ.
وذهب بعضهم إلى تحريم الخلع لغير حاجة، وبه قال ابن المنذر، وداود، وقال ابن قُدامة: ويحتمل كلام أحمد تحريمه، فإنه قال: الخلع مثل حديث سهلة تَكره الرجل، فتُعطيه المهر، فهذا الخلع. وهذا يدلّ على أنه لا يكون الخلع صحيحًا إلا في هذه الحال.
وقال ابن المنذر: وروي معنى ذلك عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، وكثير من أهل العلم؛ وذلك لأن اللَّه تعالى قال:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} الآية [البقرة: ٢٢٩]. وهذا صريحٌ في التحريم إذا لم