يخافا ألا يقيما حدود اللَّه، ثم قال:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ}، فدلّ بمفهومه على أن الجناح لاحقٌ بهما إذا افتدت من غير خوف، ثم غلّظ بالوعيد، فقال:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: ٢٢٩]. ولحديث ثوبان - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا:"أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة". حديث صحيح، رواه أحمد، وأصحاب السنن إلا النسائيّ. ولحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا:"المختلعات، والمنتزعات، هنّ المنافقات". حديث صحيح، أخرجه أحمد، وتقدّم للنسائيّ أول الباب. قال ابن قدامة ذكره أحمد محتجًّا به، وهذا يدلّ على تحريم المخالعة لغير حاجة؛ ولأنه إضرارٌ بها، وبزوجها، وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة، فحُرّم؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا ضرر، ولا ضرار". حديث صحيح، أخرجه أحمد، وابن ماجه من حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -.
واحتجّ الأولون بقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}[النساء: ٤]. قال ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضات؛ بدليل الربا، حرّمه اللَّه تعالى في العقد، وأباحه في الهبة، والحجة مع من حرّمه، وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمه على عموم آية الجواز، مع ما عاضدها من الأخبار. انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: إن القول بتحريمه بغير حاجة هو الأرجح؛ لظهور أدلّته، كما حقّقه الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى- في كلامه المذكور آنفًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في الخلع هل هو فسخٌ، أو تطليقة:
قال ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع، ففي إحدى الروايتين أنه فسخٌ، وهذا اختيار أبي بكر، وقول ابن عبّاس، وطاوس، وعكرمة، وإسحاق، وأبي ثور، وأحد قولي الشافعيّ.
والرواية الثانية: أنه تطليقة بائنة. ورُوي ذلك عن سعيد بن المسيّب، والحسن، وعطاء، وقَبيصة، وشُريح، ومجاهد، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والنخعيّ، والشعبيّ، والزهريّ، ومكحول، وابن أبي نُجيح، ومالك، والأوزاعيّ، والثوريّ، وأصحاب الرأي. وقد رُوي عن عثمان، وعلي، وابن مسعود، لكن ضعّف أحمد