للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث عنهم، وقال: ليس لنا في الباب شيء أصحّ من حديث ابن عبّاس أنه فسخٌ.

واحتجّ ابن عبّاس بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}، ثم قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ}، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، فذكر تطليقتين، والخلعَ، وتطليقةً بعدها، فلو كان الخلع طلاقًا لكان أربعًا، ولأنها فُرقة خَلَتْ عن صريح الطلاق ونيّته، فكانت فسخًا، كسائر الفسوخ.

ووجه الثانية أنها بذلت العوض للفرقة، والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ، فوجب أن يكون طلاقًا؛ ولأنه أتى بكناية الطلاق، قاصدًا فراقها، فكان طلاقًا، كغير الخلع، وفائدة الروايتين أنا إذا قلنا: هو طلقة، فخالعها مرّةً، حُسبت طلقة، فنقص بها عدد طلاقها، وإن خالعها ثلاثًا، طلقت ثلاثًا، فلا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره. وإن قلنا: هو فسخٌ، لم تحرم عليه، وإن خالعها مائة مرّة. وهذا الخلاف فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق، ولم ينوه، فأما إن بذلت له العوض على فراقها، فهو طلاق، لا اختلاف فيه، وإن وقع بغير لفظ الطلاق، مثل كنايات الطلاق، أو لفظ الخلع والمفاداة، ونحوهما، ونوى به الطلاق، فهو طلاق أيضًا؛ لأنه كناية نوى بها الطلاق، فكانت طلاقًا، كما لو كان بغير عوض، فان لم ينو به الطلاق، فهو الذي فيه الروايتان. انتهى كلام ابن قُدامة (١).

وقال في "الفتح": واستُدلّ لمن قال بأنه فسخ بما وقع في بعض طرق حديث الباب من الزيادة، ففي رواية عمرو بن مسلم، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، عند أبي داود، والترمذيّ في قصّة امرأة ثابت بن قيس: "فأمرها أن تعتدّ بحيضة" (٢). وعند أبي داود، والنسائيّ، وابن ماجه من حديث الرُّبيّع بنت معوّذ: "أن عثمان أمرها أن تَعْتَدَّ بحيضة"، قال: وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في امرأة ثابت بن قيس. وفي رواية النسائيّ، والطبريّ من حديث الربيع بنت معوّذ: "أن ثابت بن قيس ضرب امرأته … " فذكر نحو حديث الباب، وقال في آخره: "خذ الذي لها، وخلِّ سبيلها"، قال: نعم، "فأمرها أن تتربّص حيضة، وتلحق بأهلها" (٣).

قال الخطّابيّ: في هذا دليلٌ أقوى لمن قال: إن الخلع فسخٌ، وليس بطلاق، إذ لو كان طلاقًا لم تكتف بحيضة للعدّة انتهى (٤).


(١) "المغني" ١٠/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
(٢) حديث صحيح، سيأتي للمصنف -رحمه اللَّه تعالى- برقم ٣٥٢٤.
(٣) حديث صحيح، سيأتي للمصنّف برقم ٣٥٢٥.
(٤) "فتح" ١٠/ ٥٠٤ - ٥٠٥.