قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن الراجح قول من قال: إن الخلع فسخٌ، لا طلاقٌ، كما أوضحه ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، وحديث قصّة امرأة ثابت بن قيس - رضي اللَّه تعالى عنهما -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): في اختلاف أهل العلم في ثبوت الرجعة بعد الخلع:
قال ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ولا يثبت في الخلع رجعة، سواء قلنا: هو فسخٌ، أو طلاقٌ، في قول أكثر أهل العلم، منهم الحسن، وعطاء، وطاوسٌ، والنخعيّ، والثوريّ، والأوزاعيّ، ومالكٌ، والشافعيّ، وإسحاق.
وحكي عن الزهريّ، وسعيد بن المسيّب أنهما قالا: الزوج بالخيار بين إمساك العوض، ولا رجعة، وبين ردّه، وله الرجعة. وقال أبو ثور: إن كان الخلع بلفظ الطلاق، فله الرجعة؛ لأن الرجعة من حقوق الطلاق، فلا تسقط بالعوض، كالولاء مع العتق. واحتجّ الأولون بقوله سبحانه وتعالى: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، وإنما يكون فداءً إذا خرجت به عن قبضته وسُلطانه، وإذا كانت له الرجعة، فهي تحت حكمه؛ ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة، فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر، وفارق الولاء، فإن العتق لا ينفكّ منه، والطلاق ينفكّ عن الرجعة فيما قبل الدخول، وإذا أكمل العدد انتهى كلام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، من أنه لا رجعة بعد الخلع هو الأقرب؛ لظهور مناسبته لما شُرع له الخلع من دفع الضرر عن المرأة؛ فإن ضررها لا يندفع مع ثبوت المراجعة للزوج. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٣٤٩١ - (أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى, قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ, عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ, عَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ, فَقَالَ: «غَرِّبْهَا, إِنْ شِئْتَ» , قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَتَّبِعَهَا نَفْسِي, قَالَ: «اسْتَمْتِعْ بِهَا»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، وكلهم تقدّموا غير مرّة، سوى:
١ - (عمارة بن أبي حفصة) اسم أبيه ثابت أوّله نون -ويقال: ثابت بالثاء المثلّثة، وهو
(١) "المغني" ١٠/ ٢٧٨ - ٢٧٩.