للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الالتعان ينتفي به الحمل؛ خلافًا لأبي حنيفة، ورواية عن أحمد؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "انظروا، فإن جاءت الخ"، فإن الحديث ظاهر في أنها كانت حاملاً، وقد أُلحق الولد مع ذلك بأمه. (ومنها): أن فيه جواز الحلف على ما يغلب على الظنّ، ويكون المستند التمسّك بالأصل، أو قوة الرجاء من اللَّه تعالى عند تحقّق الصدق؛ لقول من سأله هلال: "واللَّه ليجلدنّك"، ولقول هلال: "واللَّه لا يضربني، وقد علم أني رأيت، حتى استفتيت". (ومنها): أن اليمين التي يعتدّ بها في الحكم ما يقع بعد إذن الحاكم؛ لأن هلالاً قال: "واللَّه إني لصادق"، ثم لم يحتسب بها من كلمات اللعان الخمس. (ومنها): أنه تمسّك به من قال بإلغاء حكم القافة. وتُعقّب بأن إلغاء حكم الشبه هنا إنما وقع حيث عارضه حكم الظاهر بالشرع، وإنما يُعتبر حكم القافة حيث لا يوجد ظاهر يتمسّك به، ويقع الاشتباه، فيرجع حينئذ إلى القافة (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في سبب نزول آية اللعان:

قال في "الفتح": وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع: فمنهم من رجّح أنها نزلت في شأن عويمر. ومنهم من رجّح أنها نزلت في شأن هلال. ومنهم من جمع بينهما بأن أوّل من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضًا، فنزلت في شأنهما معًا في وقت واحد. وقد جنح النوويّ إلى هذا، وسبقه الخطيب، فقال: لعاّهما اتفق كونهما جاآ في وقت واحد. ويؤيّد التعدّد أن القائل في قصّة هلال سعد بن عبادة، كما أخرجه أبو داود، والطبريّ من طريق عبّاد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عبّاس مثل رواية هشام بن حسّان بزيادة في أوله: "لَمّا نزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية، قال سعد بن عبادة: لو رأيت لكاعًا قد تفخّذها رجلٌ، لم يكن لي أن أُهيجه حتى آتي أربعة شهداء، ما كنت لآتي بهم حتى يفرغ من حاجته، قال: فما لبثوا إلا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية … " الحديث. وعند الطبريّ من طريق أيوب، عن عكرمة، مرسلاً فيه نحوه، وزاد: "فلم يلبثوا أن جاء ابن عمّ له، فرمى امرأته … " الحديث. والقائل في قصّة عويمر عاصم بن عديّ، كما في حديث سهل بن سعد في هذا الباب. وأخرج الطبريّ من طريق الشعبيّ مرسلاً، قال: "لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية، قال عاصم بن عديّ: إن أنا رأيت، فتكلّمت، جُلدتُ، وإن سكتّ سكتّ على غيظ … " الحديث.


(١) "فتح" ١٠/ ٥٧٩ - ٥٨٢. "كتاب الطلاق". و"عمدة القاري" ١٥/ ٣٢٩ - ٣٣٠. "كتاب التفسير".