للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أوتيه من العلم، حتى زالت الشحناء، والبغضاء من بينهم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم القرعة:

قال العلاّمة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- في "زاد المعاد": اختلف الفقهاء في هذا الحكم، فذهب إليه إسحاق بن راهويه، وقال: هو السنّة في دعوى الولد، وكان الشافعيّ يقول به في القديم، وأما الإمام أحمد، فسئل عن هذا الحديث؟ فرجّح عليه حديث القافة، وقال: حديث القافة أحبّ إليّ.

وههنا أمران: أحدهما: دخول القرعة في النسب. والثاني: تغريم من خرجت له القرعة ثلثي دية ولده لصاحبيه. وأما القرعة، فقد تُستعمل عند فقدان مرجّح، سواها، من بيّنة، أو إقرار، أو قافة، وليس ببعيد تعيين المستحقّ بالقرعة في هذه الحال، إذ هي غاية المقدور عليه من أسباب ترجيح الدعوى، ولها دخول في دعوى الأملاك المرسلة التي لا تثبت بقرينة، ولا أمارة، فدخولها في النسب الذي يثبت بمجرّد الشبه الخفيّ المستند إلى قول القائف أولى وأحرى.

وأما أمر الدية، فمشكلٌ جدًّا، فإن هذا ليس بموجب للدية، وإنما هو تفويت نسبه بخروج القرعة، فيقال: وطء كلّ واحد صالحٌ لجعل الولد له، فقد فوّته كلُّ واحد منهم على صاحبيه بوطئه، ولكن لم يتحقّق من كان له الولد منهم، فلما أخرجته القرعة لأحدهم، صار مفوِّتًا لنسبه عن صاحبيه، فأُجري ذلك مجرى إتلاف الولد، ونزل الثلاثة منزلة أبٍ واحدٍ، فحصّة المتلف منه ثلث الدية، إذ قد عاد الولد له، فيغرَمُ لكلْ من صاحبيه ما يخُصّه، وهو ثلث الدية.

ووجه آخر أحسن من هذا، أنه لما أتلف عليهما بوطئه، ولحوق الولد به، وجب عليه ضمان قيمته، وقيمة الولد شرعًا هي ديته، فلزمه لهما ثلثا قيمته، وهي ثلثا الدية، وصار هذا كمن أتلف عبدًا بينه وبين شريكين له، فإنه يجب عليه ثلثا القيمة لشريكيه، فإتلاف الولد الحرّ عليهما بحكم القرعة، كإتلاف الرقيق الذي بينهم.

ونظير هذا تضمين الصحابة المغرور بحريّة الأمة قيمة أولاده لسيّد الأمة؛ لما فات رقّهم على السيّد لحرّيتهم، وكانوا بصدد أن يكونوا أرقّاء، وهذا ألطف ما يكون من القياس، وأدقّه، وأنت إذا تأمّلت كثيرًا من أقيسة الفقهاء، وتشبيهاتهم وجدت هذا أقوى منها، وألطف مسلكًا، وأدقّ مأخذًا، ولم يضحك منه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - سُدىً.

وقد يقال: لا تعارض بين هذا وبين حديث القافة، بل إن وجدت القافة، تعيّن العمل بها، وإن لم توجد قافة، أو أشكل عليهم، تعيّن العمل بهذا الطريق، واللَّه أعلم انتهى