للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يتوقّف، ويبحث حتى يتوصّل إلى الدليل الصحيح، فإن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى - عنهما - الصحابيّ مع جلالته في العلم لما ردّ عليه أبو سلمة التابعيّ، أرسل إلى أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنهما -، يبحث عنده سنة تحكم بينه وبين مخالفه. (ومنها): أنه لا ينبغي لصغير أن يسكت على علم من الكتاب والسنة أمام العالم الكبير إذا أخطأ، بل يردّ عليه، ويُحاجّه بالأدلة الصحيحة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٥٣٧ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ, قِرَاءَةً عَلَيْهِ, وَأَنَا أَسْمَعُ, وَاللَّفْظُ لِمُحَمَّدٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الْقَاسِمِ, عَنْ مَالِكٍ, عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ, قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَبُو هُرَيْرَةَ, عَنِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا, وَهِيَ حَامِلٌ, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ, وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِذَا وَلَدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ,

فَدَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ, إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ, فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ؟ , فَقَالَتْ: وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الأَسْلَمِيَّةُ, بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ, فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا شَابٌّ, وَالآخَرُ كَهْلٌ, فَحَطَّتْ إِلَى الشَّابِّ, فَقَالَ الْكَهْلُ: لَمْ تَحْلِلْ, وَكَانَ أَهْلُهَا غُيَّبًا, فَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا, فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَقَالَ: «قَدْ حَلَلْتِ, فَانْكِحِى مَنْ شِئْتِ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه الحارث، وهو ثقة حافظ.

وقوله: "فدخل أبو سلمة الخ" لا ينافي هذا ما تقدّم من أن الذي دخل على أم سلمة هو كريب مولى ابن عباس؛ لاحتمال أن يذهب أبو سلمة معه؛ للتأكّد بنفسه.

وقوله: "كهلٌ" -بفتح الكاف، وسكون الهاء-: من جاوز الثلاثين، ووخطه الشيب. وقيل: من بلغ الأربعين، والجمع كُهُول، والأنثى كهلة، والجمع كَهْلات بسكون الهاء، في قول الأصمعيّ، وأبي زيد، لَمْحًا للصفة، مثل صعْب وصَعْبَات، وبفتحها في قول أبي حاتم؛ تغليبًا لجانب الاسميّة، مثل سجدَة وسَجَدَات انتهى.

وقوله: "وكان أهلها غيبًا" بفتح، فسكون، أو بفتحتين، أو بضمّ، فتشديد الياء التحتيّة. قال الفيّوميّ: غاب الشيءُ يَغِيب غَيْبًا وغَيْبَةً -بفتح، فسكون فيهما-، وغِيَابًا - بالكسر- وغُيُوبًا -بضمّتين-، ومَغِيبًا -بفتح، فكسر-: بَعُدَ، فهو غائبٌ، والجمع غُيّبٌ، وغُيّابٌ، وغَيْبٌ، مثلُ رُكّع، وكُفّار، وصَحْبٍ انتهى. وقال المجد في "القاموس": وقوم غُيبٌ، وغُيابٌ، وغَيَبٌ محرّكةً: غائبون انتهى.

والمعنى: أن الكهل إنما قال: لم تحلل؛ لخوفه من مسارعتها إلى نكاح الشابّ، حيث كان أهلها غائبين، فطمع في حضورهم، حتى يأمروها بأن تتزوّجه دون الشابّ.