للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالت طائفة من العلماء: يجوز ذلك، ولو كان فيه طيب، وحملوا النهي على التنزيه؛ جمعًا بين الأدلّة (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بالمنع مطلقًا هو الصواب؛ لقوة أدلته. واللَّه تعالى أعلم.

(ثُمَّ قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - "إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) قال في "الفتح": كذا في الأصل بالنصب على حكايته لفظ القرآن (٢)، ولبعضهم بالرفع، وهو أوضح. وقال ابن دقيق العيد: فيه إشارة إلى تقليل المدّة بالنسبة لما كان قبل ذلك، وتهوين الصبر عليها، ولهذا قال بعده (وَقَد كَانَتْ إِحدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيةِ تَرْمِي بِالبَعرَةِ عِنْدَ رَأْسِ الْحَولِ) وفي التقييد بالجاهليّة إشارة إلى أن الحكم في الإسلام صار بخلافه، وهو كذلك بالنسبة لما وصف من الصنيع، لكن التقدير بالحول استمرّ في الإسلام بنصّ قوِله تعالى: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ}، ثم نسخت بالآية التي قبلُ، وهي: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}. (قَالَ: حُمَيْدٌ) هو ابن نافع، راوي الحديث، وهو موصول بالإسناد المبدوء به (فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ) هي بنت أبي سلمة - رضي اللَّه تعالى عنهما - (وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ؟) أي بيّني لي المراد بهذا الكلام الذي خوطبت به هذه المرأة (قَالَتْ زَيْنَبُ) - رضي اللَّه تعالى عنها - (كَانَتِ الْمَرأَةُ، إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا) قال في "الفتح": هكذا في هذه الرواية لم تسنده زينب، ووقع في رواية شعبة، مرفوعًا كله، لكنه باختصار، ولفظه: "فقال: لا تكتحل، قد كانت إحداكن تمكث في شرّ أحلاسها، أو شرّ بيتها، فإذا كان حولٌ، فمرّ كلبٌ رمت ببعرة، فلا، حتى تمضي أربعة أشهر وعشرٌ".

قال الحافظ: وهذا لا يقتضي إدراج رواية الباب؛ لأن شعبة من أحفظ الناس، فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال، ولعل الموقوف ما في رواية الباب من الزيادة التي ليست في رواية شعبة. انتهى (٣).

لكن تعقّب هذا الزرقاني في "شرح الموطّإ" حيث قال بعد نقل كلام الحافظ هذا: وقد يرد عليه أن ذلك ليس بالاحتمال، فقد صرّح هو في "شرح نخبته" تبعًا لغيره بأن مما يُعرف به الإدراج مجيء رواية مبيّنة للقدر المدرج، وما هنا من ذلك، فإن رواية مالك عن شيخه، عن حميد بيّنت أن التفسير من زينب، وكون شعبة من الحفّاظ لا يقتضي أنه لا يروي ما فيه المدرج، فلم يزل الحفّاظ يروونه كثيرًا، كابن شهاب وغيره انتهى (٤).


(١) "فتح" ١٠/ ٦١٢. "كتاب الطلاق".
(٢) وقد تقدّم أن الأولى أن يكون منصوبًا على الظرفيّة لعامل مقدّر، هو خبر المبتدإ: أي إنما هي تربّيسيرة، أو نحو ذلك. واللَّه تعالى أعلم.
(٣) "فتح" ١٠/ ٦١٣.
(٤) "شرح الزرقاني على الموطّإ" ٣/ ٢٣٣.