للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وامسحيه بالنهار"، والنظر يشهد لهذا التأويل؛ لأن الضرورات تنقل المحظورات إلى حال المباح في الأصول، ولهذا جعل مالك فتوى أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها - تفسيرًا للحديث المسند في الكحل؛ لأن أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها - روته، وما كانت لتخالله إذا صحّ عندها، وهي أعلم بتأويله ومخرجه، والنظر يشهد لذلك؛ لأن المضطرّ إلى شيء لا يُحكم له بحكم المرفّه المتزيّن بالزينة، وليس الدواء، والتداوي من الزينة في شيء، وإنما نهيت الحادّة عن الزينة، لا عن التداوي، وأم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها - أعلم بما روت مع صحّته في النظر، وعليه أهل الفقه، وبه قال مالكٌ، والشافعيّ، وأكثر الفقهاء انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: إذا تأملت ما تقدّم لك بالإنصاف علمت أن ما قاله المانعون هو الحقّ؛ لأمرين:

[أحدهما]: ضعف حديث أم سلمة المذكور، وما تقدّم من تحسين ابن القيّم له فيه نظر لا يخفى.

[الثاني]: مخالفته لحديثها الصحيح المتفق عليه، مخالفة يكون الجمع بينهما تكلّفا باردا، وتعسفًا ماردًا.

فإن تلك المرأة ذكرت له - صلى اللَّه عليه وسلم - أنها تخاف على عين ابنتها، إن لم تكحلها، فقال: "لا"، وكرر ذلك، فدلّ على أن الضرورة في هذا لا تبيح هذا المحظور.

على أن هذا المرض ليس مما يتعين دفعه بهذا المحظور، بل الأدوية كثيرة، فلولا أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - علم أنه لا يوجد له دواء إلا هذا لأباح لها.

والحاصل أن القول بعدم جواز الكحل مطلقًا هو الصواب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٥٦٦ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ, عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ, عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ أُمِّهَا, أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَسَأَلَتْهُ عَنِ ابْنَتِهَا, مَاتَ زَوْجُهَا, وَهِيَ تَشْتَكِي, قَالَ: «قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَحِدُّ السَّنَةَ, ثُمَّ تَرْمِي الْبَعْرَةَ, عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ, وَإِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "محمد بن عبد اللَّه بن يزيد": هو أبو يحيى المقرئ المكيّ. و"سفيان": هو ابن عيينة. و"يحيى بن سعيد": هو الأنصاريّ.

والحديث متّفق عليه، وقد سبق البحث فيه مستوفًى قريبًا. واللَّه تعالى أعلم


(١) "زاد المعاد" ٥/ ٧٠٢ - ٧٠٤.