للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الوصيّة إنما تقع على سبيل البرّ والصلة، بخلاف الدين، فإنه إنما يقع غالبًا بعد الميت بنوع تفريط، فوقعت البداءة بالوصيّة؛ لكونها أفضل. وقال غيره: قُدّمت الوصيّة لأنها شيء يؤخذ بغير عوض، والدين يؤخذ بعوض، فكان إخراج الوصيّة أشقّ على الوارث من إخراج الدين، وكان أداؤها مظنّة التفريط، بخلاف الدين، فإن الوارث مطمئنّ بإخراجه، فقدّمت الوصيّة لذلك. وأيضًا فهي حظّ فقير ومسكين غالبًا، والدين حظّ غريم يطلبه بقوّة، وله مقال، كما صحّ "إن لصاحب الدين مقالاً". وأيضًا فالوصيّة يُنشثها الموصي من قبل نفسه، فقدّمت تحريضًا على العمل بها، بخلاف الدين، فإنه ثابت بنفسه، مطلوب أداؤه، سواء ذُكر، أو لم يُذكر. وأيضًا فالوصيّة ممكنة من كلّ أحد، ولا سيّما عند من يقول بوجوبها، فإنه يقول بلزومها لكلّ أحد، فيشترك فيها جميع المخاطبين؛ لأنها تقع بالمال، وتقع بالعهد، كما تقدّم، وقلّ من يخلو عن شيء من ذلك، بخلاف الدين، فإنه يمكن أن يوجد، وأن لا يوجد، وما يكثر وقوعه مقدّمٌ على

ما يقلّ وقوعه.

وقال الزين ابن الْمُنَيِّرِ: تقديم الوصيّة على الدين في اللفظ لا يقتضي تقديمها في المعنى؛ لأنهما معاً قد ذُكرا في سياق البعدية، لكن الميراث يلي الوصيّة في البعديّة، ولا يلي الدين، بل هو بعد بعده، فيلزم أن الدين يُقدّم في الأداء، ثم الوصيّة، ثم الميراث، فيتحقّق حينئذ أن الوصيّة تقع بعد الدين حال الأداء باعتبار القبليّة، فتقديم الدين على الوصيّة في اللفظ، وباعتبار البعدية، فتقدّم الوصيّة على الدين في المعنى. واللَّه أعلم. انتهى ما في "الفتح" (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

٣٦٦٤ - (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَّمٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ -وَهُوَ الأَزْرَقُ- قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا, عَنِ الشَّعْبِيِّ, عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ, وَعَلَيْهِ دَيْنٌ, فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنَّ أَبِي تُوُفِّيَ, وَعَلَيْهِ دَيْنٌ, وَلَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ, وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ, مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ, دُونَ سِنِينَ, فَانْطَلِقْ مَعِي, يَا رَسُولَ اللهِ, لِكَيْ لَا يَفْحُشَ عَلَيَّ الْغُرَّامُ, فَأَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - يَدُورُ بَيْدَرًا بَيْدَرًا, فَسَلَّمَ حَوْلَهُ, وَدَعَا لَهُ, ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ, وَدَعَا الْغُرَّامَ, فَأَوْفَاهُمْ, وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَخَذُوا).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، إلا شيخ المصنّف، وهو بغداديّ وثّقه هو، والدارقطنيّ [١١]. و"إسحاق الأزرق": هو ابن يوسف بن مِرْداس الواسطيّ ثقة [٩]. و"زكرياهو ": ابن أبي زائدة الهمدانيّ الوادعيّ


(١) "فتح" ٦/ ٣٠ - ٣١. "كتاب الوصايا".