للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العلم على هذا، وجاءت الأخبار عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك.

وإن أجازها الورثة جازت في قول الجمهور من العلماء. وقال بعضهم: الوصيّة باطلة، وإن أجازوها، وهو قول المزنيّ، وأهل الظاهر، وهو قول للشافعيّ، واحتجّوا بظاهر قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا وصيّة لوارث". وظاهر مذهب أحمد، والشافعيّ أن الوصيّة صحيحة في نفسها، وهو قول جمهور العلماء؛ لأنه تصرّف صدر من أهله في محلّه، فصحّ، كما أَبُو أوصى لأجنبيّ، والخبر قد روي فيه: "إلا أن يُجيز الورثة" (١)، والاستثناء من النفي إثبات، فيكون دليلاً على صحّة الوصيّة عند الإجازة. ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصيّة نافذة، أو لازمة، أو ما أشبه ذلك، أو يقدّر فيه: لا وصيّة لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة.

وفائدة الخلاف أن الوصيّة إذا كانت صحيحة، فإجازة الورثة تنفيذٌ، وإجازة محضةٌ، يكفي فيها قول الوارث: أجزت، أو أمضيتُ، أو نقّذت، فإذا قال ذلك لزمت الوصيّة، وإن كانت باطلة، كانت الإجازة هبة مبتداةً، تفتقر إلى شروط الهبة من اللفظ، والقبول، والقبض، كالهبة المبتدأة، ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يُعتبر فيه القبض صحّ رجوعه. انتهى كلام ابن قدامة بتصرف يسير (٢).

وقال في "الفتح": واستُدلّ بحديث "لا وصيّة لوارث" على أنه لا تصحّ الوصيّة للوارث أصلاً، وعلى تقدير نفاذها من الثلث، لا تصحّ الوصيّة له، ولا لغيره بما زاد على الثلث، ولو أجازت الورثة، وبه قال المزنيّ، وداود، وقوّاه السبكيّ، واحتجّ له بحديث عمران بن حصين - رضي اللَّه عنه - في الذي أعتق ستة أعبد، فان فيه عند مسلم، فقال له النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قولاً شديدًا، وفُسّر القول الشديد في رواية أخرى بأنه قال: "لو علمت ذلك ما صلّيتُ عليه"، ولم يُنقل أنه راجع الورثة، فدلّ على منعه مطلقًا، وبقوله في حديث سعد بن أبي وقّاص - رضي اللَّه عنه -: "وكان بعد ذلك الثلث جائزًا"، فإن مفهومه أن الزائد على الثلث ليس بجائز، وبأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - منع سعدًا من الوصيّة بالشطر، ولم يسثن صورة الإجازة. انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد أجاد السبكيّ -رحمه اللَّه تعالى- في هذه الاحتجاجات الواضحة التي تقوّي إطلاق حديث الباب، لا وصيّة لوارث.


(١) هذا الاستثناء غير صحيح، فإنه بإسناده ضعيف، بل قال بعضهم: إنه منكر. راجع "إرواء الغليل" ٦/ ٩٦ - ٩٩
(٢) "المغني" ٨/ ٣٩٦ - ٣٩٧.
(٣) "فتح" ٦/ ٢٥.