النكاح". (ومنها): أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة، وهما مجمعٌ عليهما، وكذلك قضاء الديون، وأما الحجّ فيجزي عن الميت عند الشافعيّ، وموافقيه، وهو الحقّ، كما تقدّمت أدلّته في "كتاب الحجّ". قال النوويّ: وهذا داخل في قضاء الدين إن كان حجَّا واجبّا، وإن كان تطوّعًا وأصى به، فهو من باب الوصايا، وأما إذا مات، وعليه صيامٌ، فالصحيح أن الوليّ يصوم عنه؛ لصحّة أمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك. وأما قراءة القرآن، وجعل ثوابها للميت، والصلاة عنه، ونحوهما، فمذهب الشافعيّ، والجمهور أنها لا تلحق الميت، وفيها خلاف. انتهى كلام النوويّ (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الجمهور عندي هو الأرجح؛ لعدم دليل صحيح على وصول ثواب القرآن، ونحوه إلى الأموات، فمن جاءنا بنصّ صحيح صريح لذلك، فعلى الرأس والعين، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد هم المذكورون في السند الماضي. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه - (أَنَّ رَجُلاً) لم أعرف اسمه (قَالَ: لِلنَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إِنَّ أَبِي مَاتَ، وَتَرَكَ مَالاً، وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ) من التكفير، أي جميع سيّئاته، أو هذه السيّئة، وهو ترك الوصيّة، مع كثرة ماله، وعدّه سيّئة؛ لما فيه من النقصان والحرمان عن الثواب العظيم، مع وجود الإمكان. قاله سنديّ (أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟) بفتح همزة "أن"، فهي مصدريّة، والمصدر المؤوّل فاعل "يُكفّر، وقد تقدّم أن بعضهم ضبط نظيره بالكسر على الشرطيّة، وتقدّم توجيهه (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (نَعَمْ) أي يكفّر ذلك عنه سيآته.
قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ظاهر قوله: "فهل يكفر عنه أن أتصدّق عنه! أنه علم أن أباه كان فرّط في صدقات واجبة، فسأل هل يجزئ عنه أن يقوم بها عنه" فأجابه النبيّ بـ "نعم"، وعلى هذا فيكون فيه دليلٌ على أن من قام عن آخر بواجب ماليّ في الحياة، أو بعد الموت أجزأ عنه، وهذا مما تجوز النيابة فيه بالإجماع، وإنه مما