للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يستحبّ، وخصوصًا في الآباء، فإنها مبالغة في برّهم، والقيام بحقوقهم. وقد قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليّه" (١). متْفقٌ عليه. وإذا كان هذا في الصيام، كان الحقّ الماليّ بذلك أولى. وقيل: إنما سأل، هل تُكفّر بذلك خطاياه؟ ولا ينبغي أن يُظَنّ بصحابيّ تفريط في زكاة واجبة إلى أن مات، فإن هذا بعيدٌ في حقوقهم، فالأولى به أن يحمل على أنه سأل، هل لأبيه أجرٌ بذلك، فيكفّر عنه به، كما قال السائل الآخر في حقّ أمه: "أفلها أجرٌ؟ ". ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي كانت فيه الوصيّة واجبة. قال القرطبيّ: وهذا محتملٌ لا سبيل إلى دفعه.

وعلى القول الأول، فإذا علم الوارث أن مورّثه فرّط في زكاة، أو واجبات ماليّة، فقال الشافعيّ: واجب على الوارث إخراج ذلك من رأس المال، كالدين. وقال مالكٌ: إن أوصى بذلك أخرج عنه من الثلث، وإلا فلا. وقال بعض أصحابه: إذا علم أنه لم يُخرج الزكاة، أخرجت من رأس المال، أوصى بها، أو لم يوص. قاله أشهب، وهو الصحيح؛ لأن ذلك دينٌ للَّه تعالى، وقد قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "دينُ اللَّه أحقّ بالقضاء". أخرجه البخاريّ. أو نقول: هو من جملة ديون الآدميين؛ لأنه حقّ الفقراء، وهم موجودون، وليس للوارث حقٌّ إلا بعد إخراج الديون، والوصايا. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٢).

وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- عند شرح حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - الماضي-: ما نصّه: وفي هذا الحديث جواز الصدقة عن الميت، واستحبابها، وأن ثوابها يصله، وينفعه، وينفع المتصدّق أيضّا، وهذا كله أجمع عليه المسلمون. قال: وهذه الأحاديث مخصّصة لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩]. وأجمع المسلمون على أنه لا يجب على الوارث التصدّق عن ميته صدقة تطوّع، بل هي مستحبّةٌ. وأما الحقوق الماليّة الثابتة على الميت، فإن كان له تركة وجب قضاؤها منها، سواء أوصى بها الميت، أم لا، ويكون ذلك من رأس المال، سواء ديون اللَّه تعالى، كالزكاة، والحجّ، والنذر، والكفّارة، وبدل الصوم، ونحو ذلك، ودين الآدميّ، فإن لم يكن للميت تركةٌ، لم يلزم الوارث قضاء دينه، لكن يستحبّ له ولغيره قضاؤه. انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- (٣). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) وفي "المفهم" زيادة: إن شاء"، وهذه الزيادة ما أظنها صحيحة، وليست في الصحيح. فليُفهم.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٥٢ - ٥٥٣.
(٣) "شرح مسلم" ١١/ ٨٧. "كتاب الوصيّة".