أخرى أنه يمين مطلقًا. وحكى الخطّابيّ عن أصحاب الرأي أنه إذا قال: وأمانة اللَّه كان يمينًا, ولزمته الكفّارة فيها. وفي "سنن أبي داود" بإسناد صحيح، عن بريدة - رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من حلف بالأمانة، فليس يمينًا".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما تقدّم عن الإمام الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى- من أن الحلف بالأمانة ليس يمينا مطلقًا هو الحقّ؛ لدخوله في نهي:"من كان حالفًا، فلا يحلف إلا باللَّه"، وأصرح منه حديث أبي داود المذكور، وهو حديثٌ صحيحٌ، فإنه نصّ في النهي عن الحلف بالأمانة، فلا يجوز. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(ومنها): ما قال المهلّب -رحمه اللَّه تعالى-: كانت العرب تحلف بآبائها، وآلهتها، فأراد اللَّه نسخ ذلك من قلوبهم؛ ليُنسيهم ذكر كلّ شيء سواه، ويبقى ذكره؛ لأنه الحقّ المعبود، فلا يكون اليمين إلا به، والحلف بالمخلوقات في حكم الحلف بالآباء.
(ومنها): ما قال الطبريّ -رحمه اللَّه تعالى-: في حديث عمر - رضي اللَّه عنه -يعني حديث الباب- أن اليمين لا تنعقد إلا باللَّه، وأن من حلف بالكعبة، أو آدم، أو جبريل، ونحو ذلك لم تنعقد يمينه، ولزمه الاستغفار؛ لإقدامه على ما نهي عنه، ولا كفّارة في ذلك. وأما ما وقع في القرآن من القسم بشيء من المخلوقات، فقال الشعبيّ: الخالق يُقْسِمُ بما شاء من خلقه، والمخلوق لا يُقسم إلا بالخالق، قال: ولأن أُقسم باللَّه، فاحنث أحبّ إليّ من أُقسم بغيره، فأبرّ. وجاء مثله عن ابن عبّاس، وابن مسعود، وابن عمر - رضي اللَّه عنهم - ثم أسند عن مطرّف، عن عبد اللَّه أنه قال: إنما أقسم اللَّه بهذه الأشياء ليُعَجْبَ بها المخلوقين، ويُعرّفهم قدرته لعظم شأنها عندهم، ولدلالتها على خالقها. وقد أجمع العلماء على أن من وجبت له يمين على آخر في حقّ عليه أنه لا يحلف له إلا باللَّه، فلو حلف له بغيره، وقال: نويت ربّ المحلوف به لم يكن ذلك يمينًا. انتهى.
(ومنها): ما قال ابن هُبيرة -رحمه اللَّه تعالى- في "كتاب الإجماع": أجمعوا على أن اليمين منعقدة باللَّه، وبجميع أسمائه الحسنى، وبجميع صفات ذاته، كعزّته، وجلاله، وعلمه، وقوّته، وقدرته، واستثنى أبو حنيفة علم اللَّه، فلم يره يمينًا، وكذا حقّ اللَّه. واتفقوا على أنه لا يحلف بمعظّم غير اللَّه، كالنبيّ، وانفرد أحمد في رواية, فقال: تنعقد انتهى.
(ومنها): ما قال عياض -رحمه اللَّه تعالى-: لا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الحلف بأسماء اللَّه، وصفاته لا زم، إلا ما جاء عن الشافعيّ من اشتراط نية اليمين في الحلف بالصفات، وإلا فلا كفّارة. وتُعُقّب إطلاقه ذلك عن الشافعيّ، وإنما يحتاج إلى النيّة عنده ما يصحّ إطلاقه عليه سبحانه وتعالى، وعلى غيره، وأما ما لا يُطلق في معرض