للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كالصلاة والصيام، بخلاف العتق، والكسوة، والإطعام، فإنها من حقوق الأموال، فيجوز تقديمها كالزكاة، ولفظ الشافعيّ في "الأمّ": إن كفّر بالإطعام قبل الحنث رجوت أن يُجزىء عنه، وأما الصوم فلا؛ لأن حقوق المال يجوز تقديمها، بخلاف العبادات، فإنها لا تقدّم على وقتها، كالصلاة، والصوم، وكذا لو حجّ الصغير, والعبد، لا يجزئ عنهما إذا بلغ، أو عتق. وقال في موضع آخر: من حلف، فأراد أن يحنث، فأحبّ إليّ أن لا يكفّر حتى يَحنَثَ، فإن كفّر قبل الحنث أجزأ، وساق نحوه، مبسوطًا.

وادّعى الطحاويّ أن إلحاق الكفّارة بالكفّارة أولى من إلحاق الإطعام بالزكاة. وأجيب بالمنع، وأيضًا فالفرق الذي أشار إليه الشافعيّ بين حقّ المال، وحقّ البدن ظاهر جدًّا، وإنما خصّ منه الشافعيّ الصيام بالدليل المذكور. ويؤخذ من نصّ الشافعيّ أن الأولى تقديم الحنث على الكفّارة، وفي مذهبه وجهٌ، اختَلَف فيه الترجيح أن كفّارة المعصية يُستحبّ تقديمها.

قال عياضٌ: الخلاف في جواز تقديم الكفّارة مبنيٌّ على أن الكفّارة رخصةٌ لحلّ اليمين، أو لتكفير مأثمها بالحنث، فعند الجمهور أنها رخصةٌ، شرعها اللَّه لحلّ ما عقد من اليمين، فلذلك تجزئ قبلُ وبعدُ.

قال المازريّ: للكفارة ثلاث حالات: "أحدها،: قبل الحلف، فلا تجزئ اتفاقًا. [ثانيها]: بعد الحلف والحنث، فتجزىء اتفاقًا. [ثالثها]: بعد الحلف، وقبل الحنث، ففيها الخلاف. وقد اختَلَف لفظ الحديث، فقدّم الكفّارة مرّة، وأخّرها أُخرى، لكن بحرف الواو الذي لا يوجب رتبة، ومن منع رأى أنها لم تجز، فصارت كالتطوّع، والتطوّع لا يُجزىء عن الواجب.

وقال الباجيّ، وابن التين، وجماعة: الروايتان دالّتان على الجواز؛ لأن الواو لا ترتب، قال ابن التين: فلو كان تقديم الكفّارة لا يجزئ لأبانه، ولقال: فليأت، ثم ليكفّر؛ لأن تأخير البيان عن الحاجة لا يجوز، فلما تركهم على مقتضى اللسان دلّ على الجواز، قال: وأما الفاء في قوله: "فأت الذي هو خير، وكفّر عن يمينك فهي كالفاء الذي في قوله: "فكفّر عن يمينك، وائت الذي هو خير"، ولو لم تأت الثانية لَمَا دلّت الفاء على الترتيب؛ لأنها أبانت ما يفعله بعد الحلف، وهما شيئان: كفّارة، وحنث، ولا ترتيب فيهما، وهو كمن قال: إذا دخلت الدار، فكل، واشرب.

قال الحافظ: قد ورد في بعض الطرق بلفظ: "ثمّ" التي تقتضي الترتيب، عند أبي