للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القسمان الأخيران في القسمين الأوّلين؛ لأن من لازم فعل أحد الشيئين، أو تركه تركُ الآخر، أو فعله. قاله في "الفتح" (١).

(فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) هذا محلّ الترجمة، حيث إنه يدلّ على جواز تقديم الكفّارة على الحنث، وقد تقدّم توجيهه. قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا أمر من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بتقديم الكفّارة على الحنث، ونصّ في الردّ على أبي حنيفة، فإن أقلّ مرات هذا الأمر أن يكون من باب الإرشاد إلى المصلحة، وأقل مراتب المصلحة أن تكون مْباحة، فالكفّارة قبل الحنث جائزة مُجزئة، وقد تضافر على هذا المعنى فعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - المتقدّم في حديث أبي موسى - رضي اللَّه عنه -، وأمره هذا، وكذلك حديث عديّ بن حاتم - رضي اللَّه عنه - الآتي بعد هذا. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

(وَلْيَنْظُرِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: أي الذي هو أكثر خيرًا، أي الذي هو أصلح -يعني- من الاستمرار على موجب اليمين، أو ما يخالف ذلك مما يحنث به، والأصح تارة يكون من جهة الثواب وكثرته، وهو الذي أشار إليه في حديث عديّ - رضي اللَّه عنه -، حيث قال: "فليأت التقوى". وقد يكون من حيث المصلحة الراجحة الدنيويّة التي تطرأ عليه بسبب تركها حرجٌ ومشقّةٌ، وهي التي أشار إليها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بقوله: "لأن يَلَجَّ أحدكم بيمينه آثم له عند اللَّه من أن يكفّر"، يعني بذلك أن استمراره على مقتضى يمينه إذا أفضى به إلى الحرج -وهو المشقّة- قد يفضى به إلى أن يأثم, فالأولى به أن يفعل ما شرع اللَّه له من تحنيثه نفسه، وفعل الكفّارة. انتهى كلام القرطبيّ (٣).

(فَلْيَأْتِهِ) وفي الرواية التالية: "إذا حلفت على يمين، فكفّر عن يمينك، ثم أئت الذي هو خير"، وهو نصّ في تقديم الكفّارة على الحنث؛ لأنه أتى بـ "ثُمَّ" التي للترتيب.

وسيأتي في الرواية الآتية -٣٨١٨ - بلفظ: "إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرًا منها، فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك"، وهو عند البخاريّ من طريق عبد اللَّه بن عون، عن الحسن. قال في "الفتح": هكذا وقع للأكثر، وللكثير منهم: "فكفّر عن يمينك، وائت الذي هو خير".

ووقع في رواية عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه عند أبي داود: "فرأى غيرها خيرًا منها، فليدعها, وليأت الذي هو خير، فإن كفّارتها تركُها"، فأشار أبو داود إلى ضعفه، وقال: الأحاديث كلّها: "فليكفّر عن يمينه"، إلا شيئًا لا يُعبأ به. وكأنه يشير إلى


(١) "فتح" ١٣/ ٤٨٣ - ٤٨٤.
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٣١.
(٣) "المفهم" ٤/ ٦٣١ - ٦٣٢.