للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اشتملت عليها الآية ما عُني به المرتد، وقال تعالى في حق الكفار: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨]، وقال في المحاربين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} الآية، وهذا بَيّنٌ، وعلى ما قررناه في أول الباب لا إشكال، ولا لوم، ولا عتاب، إذ هو مقتضى الكتاب، قال اللَّه تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} الآية [البقرة: ١٩٤]، فمَثَلوا فمُثِل بهم، إلا أنه يحتمل أن يكون العتاب إن صح على الزيادة في القتل، وذلك تكحيلهم بمسامير محماة، وتركهم عَطَاشَى حتى ماتوا، واللَّه أعلم.

وحكى الطبري عن السدي، أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يسمل أعين العرنيين، وإنما أراد ذلك، فنزلت الآية ناهية عن ذلك، وهذا ضعيف جدا، فإن الأخبار الثابتة وردت بالسمل، ففي "صحيح البخاريّ": "فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم"، ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام، وإن كانت نزلت في المرتدين، أو اليهود. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي ما ذهب إليه الجمهور، وهو مذهب البخاريّ، والمصنّف أن الآية الكريمة نزلت في العرنيين المرتدّين، ولكنها تشمل بعمومها من حارب من المسلمين بقطع الطريق، وسيأتي تحقيق الخلاف في حكم معاقبتهم في المسألة الثالثة، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): أنه اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة، فقال مالك: المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر، أو في برية، وكابرهم على أنفسهم وأموالهم، دون نائرة (٢) ولا ذحل (٣) ولا عداوة، قال ابن المنذر: اختلف عن مالك في هذه المسألة، فأثبت المحاربة في المصر مرّة، ونفى ذلك مرّة. وقالت طائفة: حكم ذلك في المصر، أو في المنازل والطرق، وديار أهل البادية والقرى سواء، وحدودهم واحدة، وهذا قول الشافعيّ، وأبي ثور، قال ابن المنذر: كذلك هو؛ لأن كلا يقع عليه اسم المحاربة، والكتاب على العموم، وليس لأحد أن يُخرِج من جملة الآية قوما بغير حجة. وقالت طائفة: لا تكون المحاربة في المصر، وإنما تكون خارجا عن المصر، هذا قول سفيان الثوريّ، وإسحق، والنعمان، والمغتال كالمحارب، وهو الذي يحتال


(١) راجع "الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ١٤٨ - ١٥٠.
(٢) يقال: نارت نائرة في الناس: هاجت هائجة.
(٣) الذحل: الثأر.