للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مالكٌ إلى ثبوت قتل المتّهم بمجرّد قول المجروح، واستدلّ بهذا الحديث، ولا دلالة فيه، بل هو قولٌ باطلٌ؛ لأن اليهوديّ اعترف، كما وقع التصريح به في بعض طرقه. ونازعه بعض المالكيّة، فقال: لم يقل مالكٌ، ولا أحد من أهل مذهبه بثبوت القتل على المتّهم بمجرّد قول المجروح، وإنما قالوا: إن قول المحتضر عند موته فلانٌ قتلني لَوْثٌ، يوجب القسامة، فيُقسِم اثنان، فصاعدًا من عصبته بشرط الذكوريّة، وقد وافق بعض المالكيّة الجمهور. واحتجّ من قال بالتدمية أن دعوى من وصل إلى تلك الحالة، وهي وقت إخلاصه، وتوبته عند معاينة مفارقة الدنيا يدلّ على أنه لا يقول إلا حقًّا، قالوا. وهي أقوى من قول الشافعيّة: إن الوليّ يُقسم إذا وَجَدَ قربَ وليّه المقتولِ رجلًا معه سكين؛ لجواز أن يكون القاتل غير من معه السكّين.

(ومنها): أنه استدلّ به على وجوب القصاص على الذمّيّ. وتُعُقّب بأنه ليس فيه تصريح بكونه ذميًّا، فيحتمل أن يكون معاهدًا، أو مستأمنًا.

(ومنها): مشروعيّة قتل الرجل بالمرأة، وهو قول الجمهور، خلافًا لمن شذّ، فقال: لا يُقتل بها، وهو عطاء، والحسن. وقد رُوي عن عليّ - رضي اللَّه تعالى عنه -، وأما القصاص بينهما في الأطراف، فهو أيضًا مذهب الجمهور. وقد ذهب إلى نفيه فيها من نفاه في النفس، وأبو حنيفة (١)، وحمّاد، وإن قالا به في النفس، والصحيح قول الجمهور في المسألتين؛ لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية [المائدة: ٤٥] (٢).

(ومنها): أنه استدُلّ به على أن القاتل يُقتل بما قتَلَ به، وهو مذهب الجمهور، وتمسّكوا بهذا الحديث، وبقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} الآية [النحل: ١٢٦]، وبقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى} الآية [البقرة: ١٩٤]. وخالف في ذلك الكوفيّون، فاحتجّوا بحديث: "لا قَوَدَ إلا بالسيف"، وهو حديث ضعيف، أخرجه البزّار، وابن عديّ من حديث أبي بكرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، وذكر البزّار الاختلاف فيه مع ضعف إسناده. وقال ابن عديّ: طرقه كلُّها ضعيفة. وعلى تقدير ثبوته، فإنه على خلاف قاعدتهم في أن السنّة لا تنسخ الكتاب، ولا تُخصّصه.

وتمسّكوا أيضًا بالنهي عن المثلة، وهو صحيحٌ، لكنه محمولٌ عند الجمهور على غير المماثلة في القصاص؛ جمعًا بين الدليلين. قاله في "الفتح" (٣).


(١) قوله: "وأبو حنيفة" عطف على "من" أي ونفاه أبو حنيفة إلخ.
(٢) "المفهم" ٥/ ٢٤. "كتاب القسامة".
(٣) "فتح" ١٤/ ١٨٣. "كتاب الديات".