عَبْد الْعَزِيز: تُبَاع بِأَرْضٍ أُخْرَى، وَقَالَ الثَّوْرِيّ: تُحْبَس، وَلَا تُقْتَل، وَأَسْنَدَهُ عَنْ ابْن عبَّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، قَالَ: وَهُوَ قَوْل عَطَاء. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: تُحْبَس الْحُرَّة، ويُؤْمَر مَوْلَى الأَمَة أَنْ يُجْبِرهَا.
وقال البخاريّ في "صحيحه": وقال ابْن عُمر، والزَّهْرِيّ، وَإبراهِيم -يَعْنِي النَّخَعِيَّ-: تُقتَل الْمُرْتَدَّة. انتهى.
قال في "الفتح": أمَّا قَوْل ابْن عُمَر، فَنَسَبَهُ مُغَلْطَاي إِلَى تَخْرِيج ابْن أَبِي شَيْبَة. وأمَّا قَوْل الزُّهرِيّ، وَإِبْرَاهِيم، فَوَصَلَهُ عَبْد الرَّزَّاق، عَنْ مَعْمَر، عَنْ الزُّهرِيّ، فِي الْمَرْأَة تَكْفُر بَعْد إِسْلَامهَا، قَالَ: تُستَتَاب، فَإِنَّ تَابَتْ، وَإِلَّا قُتِلت. وَعَنْ مَعْمَر، عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة، عَنْ أَبِي مَعْشَر، عَنْ إِبرَاهِيم مِثْله. وَأَخْرَجَهُ ابْن أَبِي شَيْبَة، مِنْ وَجْه آخَر، عَنْ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان، عَنْ إِبْرَاهِيم. وَأَخْرَجَ سَعِيد بْنِ مَنْصُور، عَنْ هُشَيْم، عَنْ عُبَيْدَة ابْن مُغِيث، عن إِبْرَاهِيم، قَالَ: إِذَا ارْتَدَّ الرَّجُل، أَوْ الْمَرْأَة عَنْ الإسْلَام، اُسْتُتِيبَا، فَإِنْ تَابَا تُرِكَا، وَإِنْ أَبَيَا قُتِلَا. وَأَخْرَجَ ابْن أَبِي شَيْبَة، عَنْ حَفْص، عَنْ عُبَيْدَة، عَنْ إِبرَاهِيم، "لا يُقَتْل"، وَالأَوَّل أقْوَى، فَإِنَّ عُبَيْدَة ضَعِيف، وَقَدْ اخْتَلَفَ نَقْله عَنْ إِبرَاهِيم.
ومُقَابِل قَوْل هؤُلاءِ، حَدِيث ابْن عبَّاس: "لا تُقْتَل النِّسَاء، إِذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ"، رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَة، عَنْ عَاصِمِ، عَنْ أَبِي رَزِين، عَنْ ابْن عَبَّاس، أَخْرَجَهُ ابْن أَبِي شَيْبَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَخَالفَهُ جَمَاعَة مِنْ الْحُفَّاظ، فِي لَفْظ الْمَتْن. وَأَخْرَجَ الدَّارقُطْنِيُّ، عَنْ ابْن الْمُنْكَدِر، عَنْ جَابِر: " أَنَّ امْرَأَة ارْتَدَّتْ، فَأَمَرَ النَّبِيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بِقَتْلِهَا"، وَهُوَ يعكُر عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْن الطَّلَّاع فِي "الأَحْكَام" أَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ النَّبِيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أَنَّهُ قَتَلَ مُرتَدَّة.
وقال في "الفتح" أيضًا: واسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَتْل الْمُرْتَدَّة كَالْمُرْتَدِّ، وخَصَّهُ الْحَنَفِيَّة بِالذِّكْرِ، وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ النَّهي عَنْ قَتْل النِّسَاء، وَحَمَلَ الْجُمْهُور النَّهْي عَلَى الْكَافِرَة الأَصْليَّة، إِذَا لَمْ تُبَاشِر الْقِتال، وَلَا الْقَتْل؛ لِقَوْلِهِ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث النَّهْي عَنْ قَتْل النِّسَاء، لَمَّا رَأَى الْمَرْأَة مَقْتُولَة: "مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ"، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْل النِّسَاء.
واحْتَجُّوا أيضًا بِأَنَّ "مَنْ" الشَّرْطِيَّة، لَا تَعُمّ الْمُؤنَّث. وتُعُقِّب بِأَنَّ ابْن عبَّاس رَاوِي الْخَبَر، قَدْ قَالَ: تُقْتَل الْمُرْتَدَّة، وَقَتَلَ أَبُو بَكْر فِي خِلافته امْرَأَة ارْتَدَّتْ، وَالصَّحَابَة مُتَوَافِرُونَ، فَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَد، وَقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ كُلّه ابْن الْمُنْذِر، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطنيُّ أَثَر أَبِي بَكْر مِنْ وَجْه حَسَن، وَأَخْرَجَ مِثْله مَرْفُوعًا، فِي قَتْل الْمُرْتَدَّة، لَكِنَّ سَنَده ضَعِيف.
وَاحْتَجُّوا مِنْ حَيْثُ النَّظَر، بِأَنَّ الْأَصْليَّة تُسْتَرَقّ، فَتَكُون غَنِيمَة لِلْمُجَاهِدِينَ، وَالْمُرْتَدَّة لَا تُسْتَرَقّ عِنْدهمْ، فَلَا غُنْم فِيهَا، فَلَا يُتْرَك قَتْلهَا. وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث مَعَاذ - رضي اللَّه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute