بسيفيهما" الحديث. وبهذه الآية الكريمة، والحديث المذكور يُرد على الخوارج، والمعتزلة. (ومنها): ما قيل: إن لفظ "في النار" مشعر بتصويب مذهب المعتزلة، حيث قالوا بوجوب عقاب العاصي. وأجيب بالمنع؛ لأن معناه أن يدخل النار، إن لم يَعْفُ اللَّه عنه، وقد يعفو؛ لسبب من الأسباب، كالشفاعة، ونحوها. (ومنها): ما قيل: لم أدخل الحرص على القتل وهو صغيرة، في سلك القتل، وهو كبيرة؟.
وأجيب بأنه إنما أدخلهما في سلك واحد في مجرّد كونهما سببًا لدخول النار فقط، وإن تفاوتا صِغَرًا وكِبَرًا، وغير ذلك.
(ومنها): ما قيل: إن ظاهر عموم الحديث يشمل القاتل والمقتول من الصحابة - رضي اللَّه تعالى عنهم -. وأجيب بأن عموم الحديث مخصوصٌ بعدم الاجتهاد، وعدم ظنّ أن فيه الصلاح الدينيّ، فأما إذا كان عن اجتهاد، وظنّ صلاح دينيّ، فالقاتل والمقتول مأجوران مثابان، من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، وما وقع بين الصحابة فهو من هذا القسم، فإنهم كلهم مجتهدون، فلا يعمّهم الحديث. واللَّه تعالى أعلم.
(ومنها): ما قيل: إنما سمى اللَّه الطائفتين في الآية المذكورة مؤمنين، وسمّاهما النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - في هذا الحديث مسلمين، حال الالتقاء، لا حال القتال وبعده. وأجيب بأن دلالة الآية ظاهرة، فإن في قوله تعالى:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} الآية [الحجرات: ١٠]، سماهما اللَّه أخوين، وأمر بالإصلاح بينهما، ولأنهما عاصيان قبل القتال، وهو من حين سعيا إليه، وقصداه. وأما الحديث، فمحول على معنى الآية. أفاده العيني في "شرح البخاريّ" (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في المؤاخذة بالعزم:
وقال في "الفتح": واستدلّ بِقوْلِهِ: "إِنَّهُ كان حرِيصًا على قتل صاحِبه" من ذهب إِلى المؤاخذة بِالعزْم، وإن لم يقع الفِعل، وأجاب من لم يقُل بذلِك أنّ في هذا فِعلا، وهُو المواجهة بِالسِّلَاحِ، ووُقُوع القِتال، ولا يلزم من كوْن القًاتِل رالمقتُول في النَّار، أن يكُونا في مرْتبة وْاحِدة، فالقاتِل يُعذب على القِتال والقتل، والمقتول يُعذب على القِتال فقط، فلم يقع التعذِيب على العزم المُجرَّد.
قال: وقالوا في قوْله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: ٢٨٦]، اختِيار باب الافتِعال في الشّرِّ؛ لِأنةُ يُشعِر بِانهُ لا بُد فِيهِ من المعالجة، بِخِلافِ الخير، فإنَّه يُثاب