للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ تكلّم الحازميّ فِي "الناسخ والمنسوخ": فَقَالَ: فِي إسناد حديث ابن عُكيم اختلافٌ، رواه الحكم مرّة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عُكيم، ورواه عنه القاسم بن مُخيمِرة، عن خالد، عن الحكم، وَقَالَ: إنه لم يسمعه منْ ابن عُكيم، ولكن منْ أناس دخلوا عليه، ثم خرجوا، وأخبروه، ولولا هذه العلل لكان أولى الحديثين أن يؤخذ به حديث ابن عُكيم، ثم قَالَ: وطريق الإنصاف فيه أن يُقال: إن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة فِي النسخ، لو صحّ، ولكنّه كثير الاضطراب، لا يُقاوم حديث ميمونة فِي الصّحّة، ثم قَالَ: فالمصير إلى حديث ابن عبّاس أولى؛ لوجوه منْ الترجيح، ويُحمل حديث ابن عُكيم عَلَى منع الانتفاع به قبل الدباغ، وحينئذ يُسمّى إهابًا، وبعث الدباغ يُسمّى جلدًا، ولا يُسمّى إهابًا، هَذَا معروفٌ عبد أهل اللغة، وليكون جمعًا بين الحكمين، وهذا هو الطريق فِي نفي التضادّ. انتهى.

ومُحصّل ما أجاب به الشافعيّ، وغيرهم عنه التعليلُ بالإرسال، وهو أن عبد الله بن عُكيم لم يسمعه منْ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، والانقطاع بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمعه منْ عبد الله بن عُكيم، والاضطراب فِي سنده، فإنه تارةً قَالَ: عن كتاب النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، وتارةً عن مشيخة منْ جهينة، وتارة عمن قرأ الكتاب، والاضطراب فِي المتن، فرواه الأكثر منْ غير تقييد، ومنهم منْ رواه بقيد شهر، أو شهرين، أو أربعين يومًا، أو ثلاثة أيّام، والترجيح بالمعارضة بأن الأحاديث الدّالّة عَلَى الدباغ أصحّ، والقول بموجبه بأن الإهاب اسم الجلد قبل الدباغ، وأما بعد الدباغ، فيُسمّى شنّا، وقِرْبةً، حمله عَلَى ذلك ابن عبد البرّ، والبيهقيّ، وهو منقول عن النضر بن شُمَيل، والجوهريّ قد جزم به. وَقَالَ ابن شاهين: لَمّا احتمل الأمرين، وجاء قوله: "أيما إهاب دُبغ، فقد طهُر"، فحملناه عَلَى الأول، جمعًا بين الحديثين، والجمع بينهما بالتخصيص بأن المنهيّ عنه جلد الكلب والخنزير، فإنهما لا يُدبغان، وقيل: محمول عَلَى باطن الجلد فِي النهي، وعلى ظاهره فِي الإباحة. والله أعدم. انتهى ما فِي "التلخيص" بزيادة منْ "نيل الأوطار" (١).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: خلاصة القول فِي هَذَا الحديث أنه حديث ثابتٌ، كما حسّنه الترمذي، والحازميّ، وصححه ابن حبّان، وَقَدْ أُجيب عن العلل التي ذكروها، بما تقدّم، فالأولى سلوك طريق الجمع، فتحمل الأحاديث الدالة عَلَى جواز الانتفاع بجلود الميتة عَلَى ما بعد الدبغ، ويُحمل حديث ابن عُكيم الدّالّ عَلَى النهي عَلَى ما قبل


(١) "التلخيص الحبير" ١/ ٤٧ - ٤٨ "نيل الأوطار" ١/ ٨٧ - ٨٩.