قَالَ فِي "الفتح": وهذا الرجل هو زهدم الراوي أبهم نفسه، فقد أخرج الترمذي منْ طريق قتادة، عن زهدم، قَالَ: "دخلت عَلَى أبي موسى، وهو يأكل دجاجا، فَقَالَ: ادْنُ، فَكُلْ، فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكله"، مختصرا، وَقَدْ أشكل هَذَا؛ لكونه وصف الرجل فِي رواية الباب، بأنه منْ بني تيم الله، وزهدم منْ بني جَرْم، فَقَالَ بعض النَّاس: الظاهر إنهما امتنعا معا، زهدم والرجل التيمي، وحَمَلَه عَلَى دعوى التعدد استبعادُ أن يكون الشخص الواحد يُنسَبُ إلى تيم الله، وإلى جَرْم، ولا بعد فِي ذلك، بل قد أخرج أحمد الْحَدِيث المذكور، عن عبد الله بن الوليد -هو العدني- عن سفيان -هو الثوري- فَقَالَ فِي روايته: "عن رجل، منْ بني تيم الله، يقال له: زهدم، قَالَ: كنا عند أبي موسى، فأتى بلحم دجاج … "، فعلى هَذَا فلَعَلَّ زهدم، كَانَ تارة يُنسب إلى بني جرم، وتارة إلى بني تيم الله، وجرم قبيلة فِي قضاعة، يُنسبون إلى جرم بن زَبَّان -بزاي، وموحدة ثقيلة- بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وتيم الله بطن منْ بني كلب، وهم قبيلة فِي قضاعة أيضاً، يُنسبون إلى تيم الله بن رُفَيدة -براء، وفاء، مصغرا- ابن ثور بن كلب بن وَبَرَة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، فحلوان عمّ جرم. قَالَ الرشاطي فِي "الأنساب": وكثيرا ما ينسبون الرجل إلى أعمامه. قَالَ الحافظ: وربما أبهم الرجل نفسه، كما تقدم فِي عدة مواضع، فلا بعد فِي أن يكون زهدم صاحب القصة، والأصل عدم التعدد. وَقَدْ أخرج البيهقي، منْ طريق الفريابي، عن الثوري، بسنده المذكور عند البخاريّ فِي هَذَا الباب، إلى زهدم، قَالَ: رأيت أبا موسى، يأكل الدجاج، فدعاني، فقلت: إني رأيته يأكل نتنا، قَالَ: ادنه، فكل … "، فذكر الْحَدِيث المرفوع، ومن طريق الصَّعْق بن حَزْن، عن مطر الوراق، عن زهدم، قَالَ: دخلت عَلَى أبي موسى، وهو يأكل لحم دجاج، فَقَالَ: ادن فكل، فقلت: إني حلفت، لا آكله … " الْحَدِيث، وَقَدْ أخرجه موسى، عن شيبان بن فروخ، عن الصعق، لكن لم يسق لفظه، وكذا أخرجه أبو عوانة فِي "صحيحه" منْ وجه آخر، عن زهدم نحوه، وَقَالَ فيه: فَقَالَ لي: ادن فكل، فقلت: إني لا أريده … " الْحَدِيث. فهذه عدة طرق، صَرَّحَ زهدم فيها بأنه صاحب القصة، فهو المعتمد، ولا يَعْكُر عليه، إلا ما وقع فِي "الصحيحين" مما ظاهره المغايرة بين زهدم، والممتنع منْ أكل الدجاج، ففي روايةٍ: عن زهدم، كنا عند أبي موسى فدخل رجل، منْ بني تيم الله، أحمر، شبيه بالموالي، فَقَالَ: هَلُمَّ، فتلكأ … " الْحَدِيث، فإن ظاهره أن الداخل دخل، وزهدم جالس، عند أبي موسى،