للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويَقصِدون حَيّا منْ جهينة، ويُقَوّى هَذَا الجمع ما عند مسلم، منْ طريق عبيد الله بن مِقْسَم، عن جابر، قَالَ: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعثا إلى أرض جهينة … "، فذكر هذه القصة، لكن تَلَقِّي عير قريش، ما يُتصوَّر أن يكون فِي الوقت الذي ذكره بن اسعد، فِي رَجَب، سنة ثمان؛ لأنهم كانوا حينئذ فِي الْهُدْنة، بل مُقتضَى ما فِي "الصحيح" أن تكون هذه السرية، فِي سنة ست، أو قبلها، قبل هدنة الحديبية، نعم يحتمل أن يكون تلقيهم للعير، ليس لمحاربتهم، بل لحفظهم منْ جهينة، ولهذا لم يقع فِي شيء منْ طرق الخبر، أنهم قاتدوا أحدًا، بل فيه أنهم أقاموا نصف شهر، أو أكثر فِي مكان واحد. فالله أعلم. انتهى (١).

(فأقمنا بالساحل) أي ساحل البحر، قَالَ الفيّوميّ: الساحل: شاطىء البحر، والجمع سواحل. اهـ. وَقَالَ القرطبيّ: ساحل البحر، وسِيفه -بالكسر- وشطّه: كلّ ذلك بمعنى واحد. انتهى (فأصابنا جوع شديد حَتَّى أكلنا الخبط) -بفتح المعجمة، والموحدة، بعدها مهملة، هو وَرَقُ السَّلَم. فِي رواية أبي الزبير الآتية بعد حديث: "حَتَّى إن كنا لنَخْبط الْخَبَطَ بقسيّنا، ونسفّه، ثم نشرب عليه منْ الماء"، وفي رواية البخاريّ: "وكنا نضرب بعِصيّنا الخبط، ثم نَبُلّه بالماء، فنأكله"، قَالَ فِي "الفتح": وهذا يدل عَلَى أنه كَانَ يابسا، بخلاف ما جزم به الداودي، أنه كَانَ أخضر رَطْبًا.

(قَالَ فألقى البحر دابة، يقال لها: العنبر) وفي رواية أبي الزبير الآتية: "فأجزنا الساحل، فإذا دابةٌ مثلُ الكثيب، يقال له العنبر"، وفي رواية البخاريّ: "فإذا حوت، مثل الظَّرِب"، قَالَ فِي "الفتح": أما الحوت، فهو اسم جنس لجميع السمك. وقيل: هو مخصوص بما عَظُم منها، والظِّرِب -بفتح المعجمة المشالة- ووقع فِي بعض النسخ بالمعجمة الساقطة، حكاها ابن التين، والأول أصوب، وبكسر الراء، بعدها موحدة-: الجبل الصغير. وَقَالَ القَزَّاز: هو بسكون الراء، إذا كَانَ منبسطا، ليس بالعالي.

قَالَ أهل اللغة: العنبر سمكة بحرية كبيرة، يُتّخذ منْ جلدها التُّرْسة، ويقال: إن العنبر المشموم رَجِيع هذه الدابة. وَقَالَ ابن سيناء: بل المشموم، يخرج منْ البحر، وإنما يؤخذ منْ أجواف السمك، الذي يبتلعه. ونقل الماوردي، عن الشافعيّ، قَالَ: سمعت منْ يقول: رأيت العنبر نابتا فِي البحر، مُلتويا مثل عنق الشاة، وفي البحر دابة تأكله، وهو سُمّ لها، فيقتلها، فيقذفها، فيخرج العنبر منْ بطنها. وَقَالَ الأزهري: العنبر سمكة، تكون بالبحر الأعظم، يبلغ طولها خمسين ذراعا، يقال لها: بالة، وليست


(١) "فتح" ٨/ ٤٠٨. "كتاب المغازي" رقم ٤٣٦٢.