واستشكل نسبة الإساءة والظلم إلى من نقص عن الثلاث بأنه قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، وأجمع أئمة الحديث والفقه على جواز الاقتصار على واحدة إذا عمت.
وأجيب: بأنه - صلى الله عليه وسلم - اقتصر على المرة والمرتين في بعض الأوقات لبيان الجواز، والثلاث هي الأكمل لمواظبته - صلى الله عليه وسلم - عليها، والإساءة والظلم لمن اقتصر على المرة أو المرتين منظور فيها لمن فعل الثلاث، فهي نسبية، على أن رواة الحديث لم يتفقوا على ذكر النقص فيه، فقد اقتصر النسائي، وابن ماجه في روايتهما على قوله:"من زاد" فقط.
وذهب جماعة إلى تضعيف زيادة "أو نقص"، قال ابن حجر: عَدَّهُ مسلم في جملة ما أنكروه على عمرو بن شعيب؛ لأن ظاهره ذم النقص عن الثلاثة، والنقص عنها جائز فَعَلَهُ - صلى الله عليه وسلم - كيف يعبر عنه بأساء. وقال ابن الموّاق: إن لم يكن اللفظ شكا من الراوي فهو من الأوهام البينة التي
لا خفاء لها، إذ الوضوء مرة ومرتين لا خلاف في جوازه. والآثار في ذلك صحيحة، والوهم فيه من أبي عوانة، وهو وإن كان من الثقات فإن الوهم لا يسلم منه بشر إلا من عصم. اهـ.
وقال العيني:"فقد أساء" أي في الأدب بتركه السنة والتأدب بآداب الشرع "وظلم" نفسه بما نقصها من الثواب بزيادة المرات في الوضوء. وقيل: معناه: زاد على الثلاث معتقدا أن السنة لا تحصل بالثلاث، أو نقص معتقدا أن الثلاث خلاف السنة، فإن قلت: كيف يكون ظالما في النقصان، وقد ورد في الأحاديث مرة ومرتين؟.
قلت: الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه: (الأول): أن المعنى يكون ظالما لنفسه في تركه الفضيلة والكمال، وإن كان يجوز مرة مرة، أو مرتين، مرتين. (والثاني): إنما يكون ظلما إذا اعتقد خلاف السنة في