ما يُضحِّي به، ورده الطحاوي بأنه لو كَانَ كذلك، لتعرض إلى قيمة الأُولى ليلزم بمثلها، فلما لم يَعتبر ذلك دلّ عَلَى أن الأمر بالإعادة، كَانَ عَلَى جهة الندب، وفيه بيان ما يجزي فِي الأضحية، لا عَلَى وجوب الإعادة.
(ومنها): أن المرجع فِي الأحكام إنما هو إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأنه قد يَخُصّ بعض أمته بحكم، ويمنع غيره منه، ولو كَانَ بغير عذر. (ومنها): أن خطاب الشارع للواحد يعم جميع المكلفين، حَتَّى يَظهر دليل الخصوصية؛ لأن السياق يُشعر بأن قوله لأبي بردة:"ضَحِّ به" -أي بالجذع- لو كَانَ يفهم منه تخصيصه بذلك، لما احتاج إلى أن يقول له:"ولن تجزى عن أحد بعدك"، ويحتمل أن تكون فائدة ذلك قطع إلحاق غيره به فِي الحكم المذكور، لا أن ذلك مأخوذ منْ مجرد اللفظ، وهو قويّ.
(ومنها): أن منْ ذبح قبل الصلاة لم يجزئه، ولزمه البدل، قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: وهذا محمول عَلَى الأضحية الواجبة بنذر، أو تعيين، فإن كانت غير واجبة بواحد منْ الأمرين، فهي شاة لحم، ولابدل عليه، إلا أن يشاء؛ لأنه قصد التطوع، فأفسده، فلم يجب عليه بدله، كما لو خرج بصدقة تطوع، فدفعها إلى غير مستحقها، والحديث يُحمل عَلَى أحد أمرين: إما عَلَى الندب، وأما عَلَى التخصيص بمن وجبت عليه، بدليل ما ذكرنا، فأما الشاة المذبوحة فهي شاة لحم، كما وصفها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومعناه: يصنع بها ما شاء، كشاةِ ذبحها للحمها، لا لغير ذلك، فإن هذه إن كانت واجبة، فقد لزمه إبدالها، وذبح ما يقوم مقامها، فخرجت هذه عن كونها واجبة، كالهدي الواجب، إذا عطب دون محله، وإن كَانَ تطوعا، فقد أخرجها بذبحه إياها قبل محلها عن القربة، فبقيت مجرد شاة لحم، ويحتمل أن يكون حكمها حكم الأضحية، كالهدي إذا عطب، لا يخرج عن حكم الهدي عَلَى رواية، ويكون معنى قوله:"شاة لحم"، أي فِي فضلها، وثوابها خاصة، دون ما يصنع بها. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الأول هو الأظهر. والله تعالى أعلم.
(ومنها): أنه استُدلّ بقوله: "اذبح مكانها أخرى"، وفي لفظ:"أَعِد نسكا"، وفي لفظ:"ضَحِّ بها"، وغير ذلك منْ الألفاظ المصرحة بالأمر بالأضحية، عَلَى وجوب الأضحية، قَالَ القرطبيّ فِي "المفهم": ولا حجة فِي شيء منْ ذلك، وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية، لمن أراد أن يفعلها، أو منْ أوقعها عَلَى غير الوجه المشروع خطأً، أو جهلًا، فبَيَّن له وجه تدارك ما فرّط منه، وهذا معنى قوله:"لا تجزى عن أحد بعدك": أي لا يحصل له مقصود القربة، ولا الثواب، كما يقال فِي صلاة النفل: لا تجزي إلا بطهارة، وستر عورة، قَالَ: وَقَدْ استدل بعضهم للوجوب بأن الأضحية منْ