للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيُعِدْ") بضم أوله، منْ الإعادة، وهو فعل مضارع، مجزم بلام الأمر، وَقَدْ استدلّ به منْ قَالَ برجوب الأضحيّة؛ لكونه أمرًا، والمختار أنها مستحبّة، والمراد به هنا بيان أن ستة الأضحية لا تتأدّى بالأُولى، بل يُحتاج إلى فعلها مرّةً أخرى، فالأمر بالإعادة؛ لتحصيل السكنة، لا غير، وتقدّم البحث فِي هَذَا مستوفًى، فلا تغفُل.

(فَقَامَ رَجُلٌ) يحتمل أن يكون هو أبا بُردة بن نيار المذكور سابقًا (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا يَوْمٌ، يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ) ببناء الفعل للمفعول (فَذَكَرَ) الرجل (هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ) -بفتحتين- تأنيث هَنٍ، وهو كناية عن كل اسم جنس، وهذا معنى قول منْ قَالَ: يُعبَّر بها عن كلّ شيء، والمراد به هنا الحاجة، أي فذكر أنهم فقراء محتاجون إلى اللحم (كَأَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صَدَّقَهُ) أي صدّق ذلك الرجل فيما ذكره منْ حاجة جيرانه، وفي رواية البخاريّ: "فكأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَذَره"، وهو بتخفيف الذال المعجمة- منْ العذر: أي قَبِلَ عذره، ولكن لم يجعل ما فعله كافيًا، ولذلك أمره بالإعادة. قَالَ ابن دقيق العيد: فيه دليلٌ عَلَى أن المأمورات إذا وقعت عَلَى خلاف مقتضى الأمر، لم يُعذر بالجهل، والفرق بين المأمورات والمنهيّات، أن المقصود منْ المأمورات إقامة مصالحها، وذلك لا يحصُل إلا بالفعل، والمقصود منْ المنهيّات الكفّ عنها بسبب مفاسدها، ومع الجهل والنسيان، لم يقصد المكلّف فعلها، فيُعذرُ. ذكره فِي "الفتح" ١١/ ١٣٧.

(قَالَ) ذلك الرجل لَمّا علم أن ذبحه غير مجزىء (عِنْدِي جَذَعَةٌ، هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ) أي سهلّ، وأذن له أن يُضحّي بها. قَالَ أنس (فَلَا أَدْرِي، أَبَلَغَتْ رُخْصَتُهُ مَنْ سِوَاهُ، أَمْ لَا؟) قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى فِي "شرح مسلم": هَذَا الشكّ بالنسبة: إلى علم أنس رضي الله تعالى عنه، وَقَدْ صرّح النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي حديث البراء السابق بأنها لا تبلغ غيره، ولا تجزىء أحدًا بعده. انتهى.

(ثُمَّ انْكَفَأَ) بالهمز: أي مال، وانعطف (إِلَى كَبْشَيْنِ، فَذَبَحَهُمَا) زاد فِي رواية البخاريّ: "ثم انكفأ النَّاس إلى غُنيمة، فذبحوها"، وفي رواية مسلم: "فقام النَّاس إلى غُنيمة، فتوزّعوها، أو قَالَ: فتجزّعوها". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث أنس رضي الله تعالى عنهما هَذَا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا -١٧/ ٤٣٩٨ وفي "كتاب العيدين" ١٥٨٧ و١٤/ ٤٣٨٧ وتقدّم فِي هَذَا