يدّخر فوق ثلاث، وإلا فله ذلك، وعلى هَذَا فلا نسخ، ولعلّ نهي عليّ -رضي الله عنه- مبنيّ عَلَى ذلك، لا عَلَى عدم بلوغ النسخ إليه. انتهى.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: هذه أوامر وردت بعد الحظر، فهل تقَدُّمه عليها يُخرجها عن أصلها منْ الوجوب عند يراه، أو لا يُخرجها؟ اختلف الأصوليون فيه عَلَى قولين. قَالَ: والظاهر منْ هذه الأموار هنا إطلاق ما كَانَ ممنوعا، بدليل اقتران الادّخار مع الأكل، والصدقة، ولا سبيل إلى حمل الادّخار عَلَى الوجوب بوجهٍ، فلا يجب الأكل، ولا الصدقة منْ هَذَا اللفظ، وجمهور العلماء عَلَى أن الأكل منْ الأضحيّة ليس بواجب، وَقَدْ شذّت طائفة، فأوجبت الأكل منها؛ تمسّكًا بظاهر الأمر هنا، وفي قوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا}[الحجّ: ٢٨]، ووقع لمالك فِي كتاب ابن حبيب أن ذلك عَلَى الندب، وأنه إن لم يأكل مخطىء، وَقَالَ أيضًا: لو أراد أن يتصدّق بلحم أضحيّته كلِّه كَانَ له، كأكله كلّه حَتَّى يفعل الأمرين. وَقَالَ الطبريّ: جميع أئمة الأمصار عَلَى جواز أن لا يأكل منها، إن شاء، ويطعم جميعها، وهو قول محمد بن الموّاز. انتهى كلام القرطبيّ. "المفهم" ٥/ ٣٧٩ - ٣٨١.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: مسألة الأمر بعد الحظر، قيل: للإباحة؛ لتبادره إلى الذهن، وهذا القول عندي أظهر. وقيل: للوجوب حقيقةً؛ لأن الصيغة تقتضيه. وقيل: بالتفصيل، فما كَانَ قبل الحظر واجبًا كَانَ للوجوب، كما فِي قوله تعالى:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية [التوبة: ٥]، فإنه كَانَ واجبًا قبل تلك المدة، فاستمرّ كذلك بعدها، وإلا كَانَ للإباحة، كما فِي قوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} الآية [المائدة: ٢]، وإلى هذه الأقوال أشار فِي "الكوكب الساطع" بقوله:
وقول الطبريّ:"جميع أئمة الأمصار الخ" فيه نظر، فقد تقدّم أن ابن حزم قَالَ بالوجوب، وَقَدْ نقله عن بعض السلف، فليس هناك إجماع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما هَذَا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٦/ ٤٤٢٨ - وفي "الكبرى" ٣٧/ ٤٥١٥. وأخرجه (خ)"الحج"