موجِبه، لا لأنه منسوخٌ، وهذا يُبطل قول منْ قَالَ: إن ذلك المنع إنما ارتفع بالنسخ، لا يقال: فقد قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "كنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فادّخروا"، وهذا رفعٌ لحكم الخطاب الأول بخطاب متأخّر عنه، وهذا هو حقيقة النسخ؛ لأنا نقول: هَذَا لعمر الله ظاهر هَذَا الْحَدِيث، مع أنه يحتمل أن يكون ارتفاعه بأمر آخر غير النسخ، فلو لم يرد لنا نصٌّ بأن المنع منْ الادّخار ارتفع لارتفاع علّته، لما عدَلنا عن ذلك الظاهر، وقلنا: هو نسخٌ، كما قلناه فِي زيارة القبور، وفي الانتباذ بالحنتم المذكورين معه فِي حديث بُريدة -رضي الله عنه- المتقدّم، لكن النصّ الذي فِي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فِي التعليل بيّنَ أن ذلك الرفع ليس للنسخ، بل لعدم العلّة، فتعيّن ترك ذلك الظاهر، والأخذ بذلك الاحتمال لعضد النصّ له. والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: الفرق بين رفع الحكم بالنسخ، ورفعه لارتفاع علّته أن المرفوع بالنسخ لا يُحكم به أبدًا، والمرفوع لارتفاع علّته يعود الحكم لعود العلّة، فلو قَدِمَ عَلَى أهل بلدة ناس محتاجون فِي زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعةٌ، يسدّون بها فاقتهم إلا الضحايا، لتعيّن عليهم أن لا يدّخروها فوق ثلاث، كما هو فعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. انتهى كلام القرطبيّ. "المفهم" ٥/ ٣٧٨ - ٣٧٩.
(كُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَتَصَدَّقُوا") قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: هَذَا تصريح بزوال النهي عن ادّخارها فوق ثلاث، وفيه الأمر بالصدقة منها، والأمر بالأكل، فأما الصدقة منها، إذا كانت أضحية تطوّع، فواجبة عَلَى الصحيح عند أصحابنا بما يقع عليه الاسم منها. ويستحبّ أن يكون بمعظمها، قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث، ويتصدّق بالثلث، ويُهدي الثلث. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هَذَا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: