(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان جواز الادّخار منْ الأضاحي، فوق ثلاثة أيام. (ومنها): جواز النسخ فِي الأحكام الشرعيّة. (ومنها): ما قاله فِي "الفتح": فِي هذه الأحاديث منْ الفوائد، غير ما تقدم، نسخ الأثقل بالأخف؛ لأن النهي عن ادخار لحم الأضحية بعد ثلاث، مما يثقل عَلَى المضحين، والإذن فِي الادخار أخف منه، وفيه ردّ عَلَى منْ يقول: إن النسخ لا يكون إلا بالأثقل للأخف، وعكسه ابن العربي زعما أن الإذن فِي الادخار نسخ بالنهي. وتُعُقّب بأن الادخار كَانَ مباحا بالبراءة الأصلية، فالنهي عنه ليس نسخا، وعلى تقدير أن يكون نسخا، ففيه نسخ الكتاب بالسنة؛ لأن فِي الكتاب الإذن فِي أكلها، منْ غير تقييد؛ لقوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا}. ويمكن أن يقال: إنه تخصيص، لا نسخ، وهو الأظهر. انتهى ما قاله فِي "الفتح".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي استظهره الحافظ منْ كون هَذَا النهي ليس بنسخ، وإنما هو منْ باب التخصيص، هو الحقّ، كما سبق بيانه مستوفًى، فتبصّر، ولا تتحيّر. والله تعالى أعلم.
(ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى: وفي هَذَا الْحَدِيث أبواب منْ أصول الفقه، وهو أن الشرع يُراعي المصالح، ويحكم لأجلها، ويسكت عن التعليل، ولَمّا تصفّح العلماء ما وقع فِي الشريعة منْ هَذَا وجدوه كثيرًا، بحيث حصل لهم منه أصل كلّيّ، وهو أن الشارع مهما حكم، فإنما يحكم لمصلحة، ثم قد يجدون فِي كلام الشارع ما يدلّ عليها، وَقَدْ لا يجدون، فيسبُرُون أوصاف المحلّ الذي يحكم فيه الشرع حَتَّى يتبيّن لهم الوصف الذي يمكن أن يعتبره الشرع بالمناسبة، أو لصلاحيته لها، فيقولون: الشرع يحكم بالمصلحة، والمصلحة لا تعدو أوصاف المحلّ، وليس فِي أوصافه ما يصلح للاعتبار إلا هَذَا، فتعيّن. انتهى. "المفهم" ٥/ ٣٧٩. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.