وهذا الماء هو الذي قد نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن منعه بقوله:"لا يُمْنَعُ فضلُ الماء؛ ليُمْنَعَ به الكلأُ"، متّفقٌ عليه. وَقَدْ أجمع المسلمون عَلَى تحريم ذلك؛ لأنه منع ما لا حقّ له فيه منْ مستحقّه، وربّما أتلفه، أو أتلف ماله وبهائمه، فلو منعه هَذَا الماء حَتَّى مات عطشًا قِيد منه، عند مالك؛ لأنه قتله، كما لو قتله بالجوع، أو بالسلاح. انتهى "المفهم" ١/ ٣٠٦.
(وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لِدُنْيَا) وفي رواية مسلم: "لا يبايعه إلا لدنيا"، قَالَ القرطبيّ: إنما استحقّ هَذَا الوعيد الشديد؛ لأنه لم يَقُم لله تعالى بما وجب عليه منْ البيعة الدينيّة، فإنها منْ العبادات التي تجب فيها النيّة، والإخلاص، فإذا فعلها لغير الله تعالى منْ دنيا يقصدها، أو غرض عاجل يقصده، بقيت عهدها عليه؛ لأنه منافق مُراء غاشّ للإمام والمسلمين، غير ناصح فِي شيء منْ ذلك، ومن كَانَ هَذَا حاله كَانَ مُثيرًا للفتن بين المسلمين، بحيث يسفك دماءهم، ويستبيح أموالهم، ويهتك بلادهم، ويسعى فِي إهلاكهم؛ لأنه إنما يكون مع منْ بلّغه إلى أغراضه، فيبايعه لذلك، وينصره، ويغضب له، ويقاتل مخالفه، فينشأ منْ ذلك تلك المفاسد، وَقَدْ تكون هذه المخالفة فِي بعض أغراضه، فينكث بيعته، ويطلب هلكته، كما هو حال أهل أكثر هذه الأزمان، فإنهم قد عمّهم الغدر، والخذلان. انتهى "المفهم" ١/ ٣٠٨ - ٣٠٩.
(إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ) أي منْ أغراضه الدنيويّة (وَفَى لَهُ) أي ما عليه منْ الطاعة، مع أن الوفاء واجب عليه مطلقاً (وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ) أي ما يريده، فالمفعول الثاني محذوف للعلم به (لَمْ يَفِ لَهُ) قَالَ القرطبيّ: هكذا الرواية "وفَى" بتخفيف الفاء، و"يَفِ" محذوف الواو، والياء، مخفّفًا، وهو الصحيح هنا راويةً، ومعنًى؛ لأنه يقال: وفي بعهده يفي وفاءً، والوفاء بالعهد ممدود: ضدّ الغدر، ويقال:"أوفى" بمعنى وفي، وأما "وفّي" المشدّد الفاء، فهي بمعنى توفية الحقّ، وإعطائه، يقال: وفّاه حقّه يوفّيه توفيّةً، ومنه قوله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}[النجم: ٣٧]، أي قام بما كلّفه منْ الأعمال، كخصال الفطرة، وغيرها، كما قَالَ الله تعالى:{فَأَتَمَهُنَّ}[البقرة: ١٢٤]، وحكى الجوهريّ: أوفاه حقّه، قَالَ: وعلى هَذَا، وعلى ما تقدّم فيكون "أوفى" بمعنى الوفاء بالعهد، وتوفية الحقّ، والأصل فِي "أوفى": أطلّ عَلَى الشيء، وأشرف عليه. انتهى كلام القرطبيّ "المفهم" ١/ ٣٠٩.
(وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلاً) مفاعلة منْ السوم، يقال: سام البائع السلعة سومًا، منْ باب قَالَ: إذا عَرضَها للبيع، والتساوم بين اثنين أن يعرض البائع السلعة بثمن، ويطلبها صاحبه بثمن دون ما طلبه، أفاده الفيّوميّ (عَلَى سِلْعَةٍ) أي عَلَى بيع متاع، وفي رواية البخاريّ:"ورجل بايع رجلا بسلعة"، وفي رواية مسلم:"ورجل بايع رجلاً سلعة"،