للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ القرطبيّ: رويناه "سلعة" بغير باء، ورويناه بالباء، فعلى الباء بايع بمعنى ساوم، كما جاء فِي الرواية الأخرى: "ساوم"، مكان "بايع"، وتكون الباء بمعنى "عن"، كما فِي قول الشاعر [منْ الطويل]:

فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإنَّنِي … بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ

أي عن النِّساء. وعلى إسقاطها يكون معنى "بايع" باع، فيتعدّى بنفسه، و"سلعة" مفعوله. انتهى.

(بَعْدَ الْعَصْرِ) أي بعد صلاة العصر، وخصّ بعد العصر مبالغة فِي الذّمّ؛ لأنه وقتٌ يتوب فيه المقصّر تمام النهار، ويشتغل فيه الموفّق بالذكر ونحوه، فالمعصية فِي مثله أقبح. وَقَالَ النوويّ: وخصّ ما بعد العصر بالحلف؛ لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار، وغير ذلك. وَقَالَ الخطّابيّ: خصّ وقت العصر بتعظيم الإثم فيه، وإن كانت اليمين الفاجرة محرّمة فِي كل وقت؛ لأن الله عظّم شأن هَذَا الوقت، بأن جعل الملائكة تجتمع فيه، وهو وقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها، فغلّظت العقوبة فيه؛ لئلا يُقدم عليها تجرّؤًا، فإن منْ تجرّأ عليها فيه اعتادها فِي غيره. وكان السلف يحلفون بعد العصر، وجاء ذلك فِي الْحَدِيث أيضاً. ذكره فِي "الفتح" ١٥/ ١١٥ - ١١٦.

وَقَالَ القرطبيّ: وتخصيصه بما بعد العصر يدلّ عَلَى أن لهذا الوقت منْ الفضل والحرمة ما ليس لغيره منْ ساعات اليوم، ويظهر لي أن يقال: إنما كَانَ ذلك؛ لأنه عقب الصلاة الوسطى، ولما كانت هذه الصلاة لها منْ الفضل، وعظيم القدر أكثر مما لغيرها، فينبغي لمصلّيها أن يظهر عليه عقبها منْ التحفّظ عَلَى دينه، والتحرّز عَلَى إيمانه أكثر مما ينبغي له عقب غيرها؛ لأن الصلاة حقّها أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قَالَ الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} الآية [العنكبوت: ٤٥] أي تحمل عَلَى الامتناع عن ذلك مما يحدُث فِي قلب المصلّي بسببها منْ النور، والانشراح، والخوف منْ الله تعالى، والحياء منه، ولهذا أشار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "منْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد منْ الله إلا بعدا" (١)، وإذا كَانَ هَذَا فِي


(١) قَالَ الهيثميّ فِي "مجمع الزوائد" ٢/ ٢٥٨: رواه الطبرانيّ فِي "الكبير"، وفيه ليث بن أبي سُليم، وهو ثقة، ولكنه مدلّس، منْ حديث ابن عباس، ورواه أيضًا منْ حديث ابن مسعود، ورجاله رجال الصحيح.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: بل الْحَدِيث ضعيف مرفوعًا، وقوله ليث بن أبي سليم ثقة، فيه نظر، بل هو متروك؛ لأنه اختلط أخيرًا، ولم يتميّز حديثه، فترك، كما قاله الحافظ فِي "التقريب". أما أثر ابن مسعود -رضي الله عنه- فصحيح، موقوفًا عليه، لكن تكلّم العلماء فيه، قَالَ الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: لا يصحّ حمله عَلَى ظاهره؛ لأن ظاهره معارض بما =