قبل التفرق، لزم البيع حينئذ، وبطل اعتبار التفرق، فالتقدير: إلا البيع الذي جرى فيه التخاير.
قَالَ النوويّ: اتفق أصحابنا عَلَى ترجيح هَذَا التأويل، وأبطل كثير منهم ما سواه، وغَلَّطُوا قائله. انتهى. ورواية الليث الآتية فِي -٤٤٧٤ ظاهرة جدًّا فِي ترجيحه.
وقيل. هو استثناء منْ انقطاع الخيار بالتفرق. وقيل: المراد بقوله: "أو يُخيّر أحدهما الآخر": أي فيشترط الخيار مدة معينة، فلا ينقضي الخيار بالتفرق، بل يبقى حَتَّى تمضى المدة. حكاه ابن عبد البرّ، عن أبي ثور، ورجح الأول، بأنه أقل فِي الإضمار، وتُعَيِّنُه رواية النسائيّ الآتية بعد حديث، منْ طريق إسماعيل، قيل: هو ابن أمية، وقيل: غيره، عن نافع، بلفظ:"إلا أن يكون البيع، كَانَ عن خيار، فإن كَانَ البيع عن خيار، وجب البيع".
وقيل: هو استثناء منْ إثبات خيار المجلس، والمعنى: أو يخير أحدهما الآخر، فيختار فِي خيار المجلس، فينتفى الخيار. وهذا أضعف الاحتمالات.
وقيل: قوله: "إلا أن يكون بيع خيار": أي هما بالخيار، ما لم يتفرقا، إلا أن يتخايرا، ولو قبل التفرق، وإلا أن يكون البيع بشرط الخيار، ولو بعد التفرق، وهو قول يجمع التأويلين الأولين، ويؤيده رواية عبد الرزاق، عن سفيان، بلفظ:"إلا بيع الخيار، أو يقول لصاحبه: اختر"، إن حملنا "أو" عَلَى التقسيم، لا عَلَى الشك. قاله فِي "الفتح" ٥/ ٦١ - ٦٢.
وَقَالَ الحافظ وليّ الدين رحمه الله تعالى: اختُلف فِي قوله: "إلا بيع الخيار" عَلَى أقوال:
[أحدها]: أنه استثناء منْ امتداد الخيار إلى التفرّق، والمراد ببيع الخيار أن يتخايرا فِي المجلس، ويختارا إمضاء البيع، فيلزم بنفس الخيار، ولا يدوم إلى التفرّق، ويدلّ لهذا قوله فِي رواية أيوب السختيانيّ، وهي فِي "الصحيح": "ما لم يتفرّقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر"، وربّما قَالَ:"أو يكون بيع الخيار"، فلما وَضَع قوله:"أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر"، موضع "بيع الخيار"، دلّ عَلَى أنه بمعناه، ويدلّ لذلك قوله فِي رواية أخرى:"ما لم يتفرّقا، أو يختارا"، وكذا قوله فِي رواية أخرى:"ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخيّر أحدهما الآخر".
وَقَدْ رجّح الشافعيّ رحمه الله هَذَا المعنى، فَقَالَ فيما رواه البيهقيّ فِي "المعرفة": واحتمل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إلا بيع الخيار" معنيين: [أظهرهما]: عند أهل العلم باللسان، وأولاهما بمعنى السنّة، والاستدلال بها، والقياس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ جعل الخيار للمتبايعين، والمتبايعان اللذان عقدا البيع، حَتَّى يتفرّقا، إلا بيع الخيار، فإن الخيار إذا كَانَ لا ينقطع بعد عقد البيع فِي السنة حَتَّى يتفرّقا، وتفرّقهما هو أن يتفرقا عن