مُقامهما الذي تبايعا فيه، كَانَ بالتفرّق، أو بالتخيير، وكان موجودًا فِي اللسان، والقياس إذا كَانَ البيع يجب بشيء بعد البيع، وهو الفراق أن يجب بالثاني بعد البيع، فيكون إذا خيّر أحدهما صاحبه بعد البيع، كَانَ الاختيار تحديد شيء يوجبه، كما كَانَ التفرّق تحديد شيء يوجبه، ولو لم يكن فيه سنة تبيّنه بمثل ما ذهبت إليه كَانَ ما وصفنا أولى المعنيين أن يؤخذ به؛ لما وصفت منْ القياس، مع أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، قَالَ: خيّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً بعد البيع، فَقَالَ الرجل: عمرك الله، ممن أنت؟ فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "امرؤ منْ قريش"، قَالَ: فكان أبي يحلف ما كَانَ الخيار إلا بعد البيع. قَالَ الشافعيّ: وبهذا نقول (١). وكذا حكاه الترمذيّ عن الشافعيّ، وغيره، وحكاه ابن المنذر عن الثوريّ، والأوزاعيّ، وابن عيينة، وعبيد الله بن الحسن العنبريّ، والشافعيّ، وإسحاق بن راهويه. وَقَالَ النوويّ فِي "شرح مسلم": اتّفق أصحابنا عَلَى ترجيح هَذَا القول، وأبطل كثير منهم ما سواه، وغلّطوا قائله. وممن رجحه منْ المحدّثين البيهقيّ، ثم بسط دلائله، وبيّن ضعف ما يعارضها.
[القول الثاني]: أنه استثناء منْ انقطاع الخيار بالتفرّق، والمراد إلا بيعًا شُرِط فيه خيار الشرط، ثلاثة أيام، أو دونها، فلا ينقضي الخيار فيه بالتفرّق، بل يبقى حَتَّى تنقضي المدّة المشروطة. حكى ابن عبد البرّ هَذَا عن الشافعيّ، وأبي ثور، وجماعة.
[القول الثالث]: أنه استثناء منْ إثبات الخيار، والمعنى: إلا بيعًا شُرِط فيه نفي خيار المجلس، فيلزم البيع، ولا يكون فيه خيار. انتهى "طرح التثريب" ٦/ ١٥٦ - ١٥٧.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يترجح عندي هو القول الأول الذي رجحه الشافعيّ رحمه الله تعالى؛ لقوة حجته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما هَذَا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: