ابن سيرين، أنه سمع أبا هريرة، يقول:"لا سمراء" تمر ليس ببر. فهذه الروايات تبين أن المراد بالطعام التمر، ولما كَانَ المتبادر إلى الذهن، أن المراد بالطعام القمح، نفاه بقوله:"لا سمراء"، لكن يعكُر عَلَى هَذَا الجمع، ما رواه البزار، منْ طريق أشعث بن عبد الملك، عن ابن سيرين، بلفظ:"إن ردها ردها، ومعها صاع منْ بر، لا سمراء"، وهذا يقتضي أن المنفي فِي قوله:"لا سمراء"، حنطة مخصوصة، وهي الحنطة الشامية، فيكون المثبت قوله:"منْ طعام": أي منْ قمح.
ويحتمل أن يكون راويه رواه بالمعنى، الذي ظنه مساويا، وذلك أن المتبادر منْ الطعام البر، فظن الراوي أنه البر، فعبر به، وإنما أطلق لفظ الطعام عَلَى التمر؛ لأنه كَانَ غالب قوت أهل المدينة، فهذا طريق الجمع، بين مختلف الروايات، عن ابن سيرين فِي ذلك، لكن يعكُر عَلَى هَذَا، ما رواه أحمد، بإسناد صحيح، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل منْ الصحابة، نحو حديث الباب، وفيه:"فإن ردها رد معها صاعا منْ طعام، أو صاعا منْ تمر"، فإن ظاهره يقتضي التخيير، بين التمر والطعام، وأن الطعام غير التمر.
ويحتمل أن تكون "أو" شكا منْ الراوي، لا تخييرا، وإذا وقع الاحتمال فِي هذه الروايات، لم يصح الاستدلال بشيء منها، فَيُرجَع إلى الروايات التي لم يختلف فيها، وهي التمر، فهي الراجحة، كما أشار إليه البخاريّ.
وأما ما أخرجه أبو داود، منْ حديث ابن عمر، بلفظ:"إن ردها رد معها مثل، أو مثلي لبنها قمحا"، ففي إسناده ضعف، وَقَدْ قَالَ ابن قدامة: إنه متروك الظاهر بالاتفاق.
وقوله:"والتمر أكثر": أي أن الروايات الناصة عَلَى التمر أكثر عددا، منْ الروايات التي لم تنص عليه، أو أبدلته بذكر الطعام، فقد رواه بذكر التمر غير منْ تقدم ذكره، ثابت بن عياض عند البخاريّ، وهمام بن منبه عند مسلم، وعكرمة، وأبو إسحاق عند الطحاوي، ومحمد بن زياد، عند الترمذي، والشعبي عند أحمد، وابن خزيمة، كلهم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. وأما رواية منْ رواه بذكر الإناء، فيفسرها رواية منْ رواه بذكر الصاع، وَقَدْ تقدم ضبطه فِي الزكاة. انتهى "الفتح" ٥/ ١٠٠ - ١٠١. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هَذَا متَّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: