"فذالكم الرباط" إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله، والرباط اللغوي هو الأول، وهذا كقوله:"ليس الشديد بالصُّرَعَة" وقوله: "ليس المسكين بهذا الطواف".
قال القرطبي: قوله والرباط اللغوي هو الأول ليس بمسلم، فإن الخليل بن أحمد أحد أئمة اللغة وثقاتها قد قال: الرباط ملازمة الثغور، ومواظبة الصلاة أيضا، فقد حصل أن انتظار الصلاة رباط لغوي حقيقة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -. وأكثر من هذا ما قاله الشيباني أنه يقال: ماء مترابط أي
دائم لا ينزح، حكاه ابن فارس، وهو يقتضي تعدية الرباط لغة إلى غير ما ذكرناه، فإن المرابطة عند العرب العقد على الشيء حتي لا ينحل، فيعود إلى ما كان صبر عنه، فيحبس القلب على النية الحسنة والجسم علي فعل الطاعة، ومن أعظمها وأهمها ارتباط الخيل في سبيل الله، كما نصَّ عليه في التنزيل في قوله:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} على ما يأتي، وارتباط النفس على الصلوات كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه أبو هريرة، وجابر، وعلي، ولا عطر بعد عروس. اهـ كلام القرطبي ج ٤ ص ٣٢٣ - ٣٢٤.
وقال العلامة الألوسي بعد ذكر التفسير المشهور الذي هو تفسير الجمهور ما نصه: وقد روي في بعض الآثار غير ذلك، فقد أخرج ابن مردويه عن سلمة (١) بن عبد الرحمن قال: أقبل عليّ أبو هريرة يوما فقال: أتدري يا ابن أخي فيم أنزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا} الخ؟ قلت: لا، قال: أما إنه لم يكن في زمان النبي في غزو يرابطون فيه ولكنه نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلاة في مواقيتها، ثم يذكرون الله تعالى فيها، ففيهم أنزلت أي {اصْبِرُوا} على الصلوات الخمس {وَصَابِرُوا} أنفسكم وهواكم {وَرَابِطُوا} في مساجدكم {وَاتَّقُوا
(١) هكذا سلمة ولعل الصواب أبي سلمة كما تقدم في تفسير القرطبي، وفيه أيضا مخالفة لما مضى حيث إنه جعله لأبي هريرة فليحرر.