وفارق بيع الحاضر للبادي، فإنه لا يمكن استدراكه بالخيار، إذ ليس الضرر عليه، إنما هو عَلَى المسلمين. انتهى "المغني" ٦/ ٣١٣.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بهذا أن الجمهور عَلَى أن البيع صحيح؛ لأن الشارع خيّر البائع، بين إمضاء البيع، وفسخه، وإنما يكون الخيار بينهما فِي عقد صحيح. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي معنى الخيار الذي ثبت فِي هذه المسألة:
قَالَ الحافظ وليّ الدين رحمه الله تعالى: قَالَ الشافعيّة: لا خيار للبائع قبل أن يقدم، ويعلم السعر، فإذا قدم، فإن كَانَ الشراء بأرخص منْ سعر البلد، ثبت له الخيار، سواء أخبر المتلقّي بالسعر كاذبًا، أم لم يخبر، وإن كَانَ الشراء بسعر البلد، أو أكثر، فوجهان:[أصحهما] عندهم أنه لا خيار له؛ لعدم الغبن. [والثاني]: ثبوته؛ لإطلاق الْحَدِيث، حيث قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "فمن تلقّاه، فاشترى منه، فإذا أتى سيّده السوق، فهو بالخيار".
وَقَالَ الحنابلة أيضًا بثبوت الخيار، لكنهم قيّدوه بأن يُغبن بما لا يُغبن به عادةً، واختلفوا فِي تقديره، فقدّره بعضهم بالثلث، وبعضهم بالسدس.
واختلف المالكيّة القائلون بأن البيع لا يبطل عَلَى قولين:[أحدهما]: أن السلعة تُعرض عَلَى أهل السلع فِي السوق، فيشتركون فيها بذلك الثمن، بلا زيادة، فإن لم يوجد لها سوقٌ، عُرضت عَلَى النَّاس فِي العصر، فيشتركون فيها، إن أحبّوا، فإن نقصت عن ذلك الثمن، لزمت المشتري، قاله ابن القاسم، وأصبغ. [والثاني]: يفوز بها المشتري. وَقَالَ الليث بن سعدة إن كَانَ بائعها لم يذهب رُدّت إليه، حَتَّى تباع فِي السوق، وإن كَانَ قد ذهب، ارتُجعت منه، وبيعت فِي السوق، ودفع إليه ثمنها. انتهى "طرح" ٦/ ٦٥ - ٦٦.
وَقَالَ الإِمام ابن قدامة رحمه الله تعالى -بعد أن ذكر ما تقدم فِي المسألة السابقة منْ الخلاف: فإذا تقرر هَذَا، فللبائع الخيار، إذا علم أنه قد غبن، وَقَالَ أصحاب الرأي: لا خيار له، وَقَدْ روينا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا، ولا قول لأحد مع قوله.
وظاهر المذهب، أنه لا خيار له إلا مع الغبن؛ لأنه إنما ثبت لأجل الخديعة، ودفع الضرر، ولا ضرر مع عدم الغبن، وهذا ظاهر مذهب الشافعيّ، ويحمل إطلاق الْحَدِيث فِي إثبات الخيار، عَلَى هَذَا، لعلمنا بمعناه ومراده؛ لأنه معنى يتعلق الخيار بمثله، ولأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جعل له الخيار، إذا أتى السوق، فيفهم منه أنه أشار إلى معرفته بالغبن فِي