السوق، ولولا ذلك لكان الخيار له، منْ حين البيع. قَالَ: وينبغي أن يتقيد الغبن المثبت للخيار بما يخرج عن العادة؛ لأن ما دون ذلك لا ينضبط.
وَقَالَ أصحاب مالك: إنما نُهي عن تلقي الركبان؛ لما يفوت به منْ الرفق لأهل السوق؛ لئلا يُقطع عنهم ماله جلسوا، منْ ابتغاء فضل الله تعالى، قَالَ ابن القاسم: فإن تلقاها مُتَلَقّ، فاشتراها، عُرِضت عَلَى أهل السوق، فيشتركون فيها. وَقَالَ الليث بن سعد: تباع فِي السوق، وهذا مخالف لمدلول الْحَدِيث، فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، جعل الخيار للبائع، إذا دخل السوق، ولم يجعلوا له خيارا، وجَعْلُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الخيار له، يدل عَلَى أن النهي عن تلقي الركبان؛ لحقه، لا لحق غيره، ولأن الجالس فِي السوق، كالمتلقي فِي أن كل واحد منهما، مبتغ لفضل الله تعالى، فلا يليق بالحكمة فسخ عقد أحدهما، وإلحاق الضرر به، دفعا للضرر عن مثله، وليس رعاية حق الجالس، أولى منْ رعاية حق المتلقي، ولا يمكن اشتراك أهل السوق كلهم فِي سلعته، فلا يُعرَّجُ عَلَى مثل هَذَا. والله أعلم. انتهى "المغني" ٦/ ٣١٣ - ٣١٤.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي حقّقه ابن قدامة رحمه الله تعالى فِي الردّ عَلَى أصحاب مالك، رحمهم الله تعالى فيما قالوه؛ لمخالفته صريح الْحَدِيث، حسن جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): فيما ذكره أهل العلم فِي سبب النهي عن التلقّي المذكور:
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: قَالَ العلماء: وسبب التحريم إزالة الضرر عن الجالب، وصيانته ممن يخدعه، قَالَ الإمام، أبو عبد الله المازريّ:
[فإن قيل]: المنع منْ بيع الحاضر للبادى سببه الرفق بأهل البلد، واحتُمِل فيه غبن البادي، والمنع منْ التلقي أن لا يُغبَن البادي، ولهذا قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا أتى سيدُهُ السوق، فهو بالخيار".
[فالجواب]: أن الشرع ينظر فِي مثل هذه المسائل، إلى مصلحة النَّاس، والمصلحة تقتضي أن يُنظر للجماعة عَلَى الواحد، لا للواحد عَلَى الواحد، فلما كَانَ البادي، إذا باع بنفسه، انتفع جميع أهل السوق، واشتروا رخيصا، فانتفع به جميع سكان البلد، نظر الشرع لأهل البلد عَلَى البادي، ولما كَانَ فِي التلقي، إنما ينتفع المتلقي خاصة، وهو واحد فِي قُبالة واحد، لم يكن فِي إباحة التلقي مصلحة، لاسيما وينضاف إلى ذلك علة ثانية، وهي لحوق الضرر بأهل السوق، فِي انفراد المتلقي عنهم بالرخص، وقطع الموادّ عنهم، وهم أكثر منْ المتلقي، فنظر الشرع لهم عليه، فلا تناقض بين المسئلتين، بل هما متفقتان فِي الحكمة، والمصلحة. والله أعلم. انتهى "شرح مسلم" ١٠/ ٤٠٣.