قَالَ الحافظ: وَقَدْ جاء عن الشافعيّ، بلفظ آخر، قرأته بخط أبي عَلَى الصدفي بهامش نسخته، قَالَ: لفظ الشافعيّ: ولا تباع العريّة بالتمر، إلا أن تُخرَص العريّة، كما يُخرص المعشّر، فيقال: فيها الآن كذا وكذا، منْ الرُّطب، فإذا يبس كَانَ كذا وكذا، فيَدفَع منْ التمر بكيله خرصا، ويقبض النخلة بثمرها، قبل أن يتفرقا، فإن تفرقا قبل قبضها فسد.
قوله:"ومما يقويه": أي قول الشافعيّ بأن لا يكون جزافا، قول سهل بن أبي حثمة:"بالأوسق الموسقة"، وقول سهل هَذَا أخرجه الطبري، منْ طريق الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن سهل موقوفًا، ولفظه:"لا يباع الثمر فِي رءوس النخل، بالأوساق الْمُوَسَّقَة، إلا أوسقا: ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة يأكلها النَّاس".
وما ذكره البخاريّ عن الشافعيّ، هو شرط العرية عند أصحابه، وضابط العرية عندهم: أنها بيع رُطَب، فِي نخل، يكون خرصه إذا صار تمرا، أقل منْ خمسة أوسق، بنظيره فِي الكيل منْ التمر، مع التقابض فِي المجلس.
ثم إِنَّ صور العرية كثيرة:
[منها]: أن يقول الرجل لصاحب حائط: بعني ثمر نخلات بأعيانها، بخرصها منْ التمر، فيخرصها ويبيعه، ويقبض منه التمر، ويسلم إليه النخلات بالتخلية، فينتفع برطبها.
[ومنها]: أن يهب صاحبُ الحائط لرجل نخلات، أو ثمر نخلات معلومة منْ حائطه، ثم يتضرر بدخوله عليه، فيخرصها، ويشتري منه رطبها، بقدر خرصه بتمر، يعجله له.
[ومنها]: أن يهبه إياها، فيتضرر الموهوب له، بانتظار صيرورة الرطب تمرا، ولا يحب أكلها رطبا؛ لاحتياجه إلى التمر، فيبيع ذلك الرطب بخرصه منْ الواهب، أو منْ غيره، بتمر يأخذه معجلا.
[ومنها]: أن يبيع الرجل ثمر حائطه، بعد بُدُوّ صلاحه، ويستثني منه نخلات معلومة، يُبقيها لنفسه، أو لعياله، وهي التي عُفي له عن خرصها فِي الصدقة، وسُمِّيت عرايا؛ لأنها أعريت منْ أن تُخرَص فِي الصدقة، فرُخّص لأهل الحاجة، الذين لا نقد لهم، وعندهم فضول منْ تمر قوتهم، أن يبتاعوا بذلك التمر منْ رطب تلك النخلات بخرصها.
[ومما يطلق عليه اسم عرية]: أن يُعرِي رجلًا تمر نخلات، يُبِيح له أكلها، والتصرف فيها، وهذه هبة مخصوصة.
[ومنها]: أن يُعري عامل الصدقة لصاحب الحائط، منْ حائطه نخلات معلومة، لا