للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي اختلاف المتبايعين:

قَالَ الإِمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم فِي هذه المسألة، فَقَالَ مالك، والشافعيّ: يقال للبائع: احلف بالله ما بعتَ سلعتك إلا بما قلت، فإن حلف البائع قيل: إما أن تأخذ السلعة بما قَالَ البائع، وإما أن تحلف ما اشتريتها إلا بما قلت، فإن حلف برىء، ورُدّت السلعة عَلَى البائع، وسواء عند الشافعيّ كانت السلعة قائمة، أو تالفة، فإنهما يتحالفان، ويتردّان، وكذلك قَالَ محمد بن الحسن. ومعنى "يترادّان": أي قيمة السلعة عن الاستهلاك.

وَقَالَ النخعيّ، والثوريّ، وأبو حنيفة، وأبو يوسف: القول قول المشتري مع يمينه بعد الاستهلاك، وقول مالك قريب منْ قولهم بعد الاستهلاك فِي أشهر الروايتين عنه. واحتُجّ لهم بأنه قد روي فِي بعض الأخبار: "إذا اختلف المتبايعان، والسلعة قائمة، فالقول ما يقول البائع، أو يترادّان"، قالوا: فدلّ اشتراطه قيام السلعة عَلَى أن الحكم عند استهلاكها بخلاف ذلك. قَالَ الخطّابىّ: وهذه اللفظة لا تصحّ منْ طريق النقل، إنما جاء بها ابن أبي ليلى، وقيل: إنها منْ قول بعض الرواة. وَقَدْ يحتمل أن يكون إنما ذكر قيام السلعة بمعنى التغليب، لا منْ أجل التفريق؛ لأن أكثر ما يَعرِض فيه النزاع، ويجب معه التحالف، هو حال قيام السلعة، وهذا كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} الآية [النِّساء: ٢٣]، فذكره الحجور ليس بشرط يتغيّر به الحكم، ولكنه غالب الحال، وكقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} الآية [البقرة: ٢٢٩]، ولم يجر ذكر الخوف منْ مذهب أكثر الفقهاء للفرق، ولكن لأنه الغالب، ولم يفرّقوا فِي البيوع الفاسدة بين القائم والتالف منها فيما يجب منْ ردّ السلعة، إن كانت قائمةً، والقيمة إن كانت تالفة، وهذا البيع مصيره إلى الفساد؛ لأنا نرفعه منْ أصله إذا تحالفا، ونجعله كأنه لم يقع، ولسنا نُثبته، ثم نفسخه، ولو كنا فعلنا ذلك لكان فِي ذلك تكذيب أحد الحالفين، ولا معنى لتكذيبه مع إمكان تصديقه، ويخرّج ذلك عَلَى وجه يُعذر فيه، مثل أن يُحمل أمره عَلَى الوهم، وغلبة الظنّ، ونحو ذلك.

واحتجّوا فيه أيضا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اليمين عَلَى المدّعَى عليه"، وهذا لا يخالف حديث التحالف؛ لأن كلّ واحد منهما مُدّع منْ وجه، ومدّعًى عليه منْ وجه آخر، وليس اقتضاء أحد الحكمين منه بأولى منْ الآخر.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: فِي دعواه مخالفته للحديث المذكور نظرٌ لا يخفى.