للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خَمْرٍ) الراوية هنا معناها: الْمَزَادة، قَالَ فِي "القاموس": الراوية: المزادة فيها الماء، والبعير، والبغل، والحمار، يُستقى عليه. انتهى. وَقَالَ فِي "اللسان": قَالَ ابن سِيده: والراوية هو البعير، أو البغل، أو الحمار الذي يُستقى عليه الماء، والرجل المستقي أيضًا، قَالَ: والعامة تسمّي المزادة راويةً، وذلك جائز عَلَى الاستعارة، والأصل الأول، قَالَ أبو الجم [منْ الرجز]:

تَمْشِي مِنَ الرِّدَّةِ مَشْيَ الْحُفَّلِ … مَشْيَ الرَّوَايَا بِالْمَزَادِ الأَثْقَلِ

قَالَ ابن بَرّيّ: شاهد الرواية البعير قول أبي طالب [منْ الطويل]:

وَيَنْهَضُ قَوْمٌ فِي الْحَدِيدِ إِلَيْكُمُ … نُهُوضَ الرَّوَايَا تَحْتَ ذَاتِ الصَّلَاصِلِ

فالروايا جمع راوية للبعير، وشاهد الراوية للمزادة قول عَمرو بن مِلْقَط:

ذَاكَ سِنَانٌ مُخلِبٌ نَصْرُهُ … كالْجَمَلِ الأَوْطَفِ بِالرَّاوِيَهْ

انتهى. (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَهَا؟ ") زاد فِي رواية مسلم: "قَالَ: لا"، قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: لعلّ السؤال كَانَ ليعرف حاله، فإن كَانَ عالمًا بتحريمها، أنكر عليه هديّتها، وإمساكها، وحملها، وعزّره عَلَى ذلك، فلما أخبره أنه كَانَ جاهلاً بذلك عَذَرَه، والظاهر أن هذه القضيّة كانت عَلَى قرب تحريم الخمر، قبل اشتهار ذلك. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: يدلّ عَلَى ذلك ما تقدّم فِي رواية أحمد: "هل علمت أن الله حرمها بعدك"، وفي رواية: "أن رجلاً خرج والخمر حلال". والله تعالى أعلم.

وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: ثم إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بيّن له الحكم، ولم يوبّخه، ولم يذمّه؛ لأن الرجل كَانَ متمسّكًا بالإباحة المتقدّمة، ولم يبلغه الناسخ، فكان دليلاً عَلَى أن الحكم لا يرتفع بوجود الناسخ، بل ببلوغه، كما قرّرناه فِي الأصول. انتهى "المفهم" ٤/ ٤٥٧.

(فَسَارَّ) منْ السّرّ الذي هو بمعنى الكلام الخفيّ، ومفعوله قوله الآتي: "إنسانًا"، قَالَ النوويّ: المسارِرُ الذي خاطبه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هو الرجل الذي أهدى الراوية، كذا جاء مبيّنًا فِي غير هذه الرواية, وأنه رجلٌ منْ دوس، قَالَ القاضي: وغَلِط بعض الشارحين، فظنّ أنه رجلٌ آخر. انتهى "شرح مسلم" ١١/ ٧.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: تقدّم فِي روايات أحمد "أنه أقبل عَلَى غلامه، فَقَالَ: اذهب بها، فبعها"، وفي رواية: "فأقبل صاحب الراوية، عَلَى إنسان معه، فأمره" الْحَدِيث، وفي رواية: "فدعا رجلاً، فسارّه" الْحَدِيث. فتبيّن بهذا كله أن الذي سارّ هو المهدي.