أخذت به موصولٌ يجمع فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بين الموت والإفلاس، وحديث ابن شهاب منقطع، ولو لم يخالفه غيره لم يكن مما يُثبته أهل الْحَدِيث، ولو لم يكن فِي تركه حجة إلا هَذَا انتفى لمن عرف الْحَدِيث تركه منْ الوجهين، مع أن أبا بكر بن عبد الرحمن يروي عن أبي هريرة حديثه، ليس فيما روى ابن شهاب عنه مرسلاً، إن كَانَ رواه كله، ولا أدري عمن رواه، ولعله روى أول الْحَدِيث، وَقَالَ برأيه آخره، وموجود فِي حديث أبي بكر، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: أنه انتهى فيه إلى قوله، فهو أحقّ به، وأشبه أن يكون ما زاد عَلَى هَذَا قولاً منْ أبي بكر، لا رواية, تمّ كلامه.
وَقَدْ روى الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، يرفعه:"أيّما رجل أفلس، ثم وجد رجلٌ سلعته عنده بعينها، فهو أولى بها منْ غيره"، قَالَ الليث: بلغنا أن ابن شهاب قَالَ: "أما منْ مات ممن أفلس، ثم وجد رجلٌ سلعته بعينها، فإنه أُسوةٌ الغرماء"، يحدّث بذلك عن أبي بكر بن عبد الرحمن. قَالَ البيهقيّ: هكذا وجدته غير مرفوع إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي آخره، وفي ذلك كالدلالة عَلَى صحّة ما قَالَ الشافعيّ. وَقَالَ غيره: هَذَا الْحَدِيث قد رواه عبد الرزّاق، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قاله ابن عبد البرّ. وَقَدْ رواه إسماعيل بن عيّاش، عن الزبيديّ، عن الزهريّ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. ومن هذه الطريق أخرجه أبو داود، والزُّبيديّ: هو محمد بن الوليد، شاميّ حمصيّ. وَقَدْ قَالَ الإِمام أحمد، ويحيى بن معين، وغيرهما: حديث إسماعيل ابن عيّاش، عن الشاميين صحيح. فهذا الْحَدِيث عَلَى هَذَا صحيح، وَقَدْ رواه موسى بن عُقبة، عن الزهريّ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ذكره ابن عبد البرّ. فهؤلاء ثلاثةٌ وصلوه عن الزهريّ: مالك، فِي رواية عبد الرزّاق، وموسى بن عقبة، ومحمد بن الوليد، وكونه مدرجًا لا يثبت إلا بحجة، فإن الراوي لم يقل: قَالَ فلان بعد ذكره المرفوع، وإنما هو ظنّ. وأما قول الليث: بلغنا أن ابن شهاب قَالَ: "أما منْ مات" إلى آخره، فهو مع انقطاعه ليس بصريح فِي الإدراج، فإنه فسّر قوله بأنه رواية عن أبي بكر، لا رأي منه، ولم يقل: إن أبا بكر قاله منْ عنده، وإنما قَالَ: يحدّث بذلك عن أبي بكر، والحديث صالح للرأي، والرواية, ولعله فِي الرواية أظهر.
وبالجملة فالإدراج بمثل هَذَا لا يثبت، ولا يُعلّل به الْحَدِيث، والله أعلم. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله تعالى "تهذيب السنن" منْ هامش "عون المعبود" ٩/ ٤٣٤ - ٤٣٦.