للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرجوع فِي حالة تغيّر شيء منْ السلعة هو الأرجح؛ عملاً بظاهر قوله: "بعينه". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم الحجر عَلَى المفلس:

قَالَ فِي "الفتح": ما حاصله: ذهب الجمهور إلى أن منْ ظهر فَلَسُهُ، فعلى الحاكم الحجر عليه فِي ماله، حتّى يبيعه عليه، ويَقسمه بين غرمائه عَلَى نسبة ديونهم. وخالف الحنفية، واحتجّوا بقصّة جابر -رضي الله عنه-، حيث قَالَ فِي دين أبيه: "فلم يُعطهم الحائط، ولم يكسره لهم"، ولا حجة فيه؛ لأنه أخّر القسمة ليحضر، فتحصل البركة فِي الثمر بحضوره، فيحصل الخير للفريقين، وكذلك كَانَ. انتهى "فتح" ٥/ ٣٤٧.

وَقَالَ فِي "المفهم": ما حاصله: إذا قصر ما بيده عن وفاء ما عليه منْ الديون، فللحاكم أن يحجر عليه، ويمنعه منْ التصرّف فيما بيده، ويُحصّله، ويجمع الغرماء، فيقسّمه عليهم، وهذا مذهب الجمهور، منْ الصحابة، وغيرهم، كعمر، وعثمان، وعليّ، وابن مسعود، وعروة بن الزبير، والأوزاعيّ، ومالك، والشافعيّ، وأحمد. وَقَالَ النخعيّ، والحسن البصريّ، وأبو حنيفة: للحاكم أن يحجر عليه، ولا يمنعه منْ التصرّف فِي ماله، لكن يحبسه ليوفي ما عليه، وهو يبيع ما عنده، والحجة للجمهور عَلَى هؤلاء حديث تفليس معاذ -رضي الله عنه- الآتي، وَقَدْ قَالَ الزهريّ: ادّان معاذ، فباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماله حَتَّى قضى دينه (١)، وكذلك فعل عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- بالجهنيّ الذي قَالَ فيه: "ألا إن أُسيفع جهينة رضي لدينه وأمانته أن يقال: سبق الحاجّ، ثم ادّان معرضًا، فمن كَانَ له عليه دينٌ فليحضر، فإنا نبيع ماله" (٢)، ولم يخالفه أحدٌ، ثم يباع عليه كلّ ماله، وعقاره. وَقَالَ أبو حنيفة: لا يباع عليه عقاره، وقوله مخالفٌ للأدلّة التي ذكرناها، فإنها عامّة لجميع الأموال، ولأن الدين حقّ ماليّ فِي ذمّته، فيباع عليه فيه عقاره، كما يباع فِي نفقة الزوجات، ولأن الْفَلَسَ معنى طارىء يوجب قسمة المال، فيباع فيه العقار كالموت. انتهى "المفهم" ٤/ ٤٣١ - ٤٣٢.

وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ومتى لزم الإنسان ديون حالّة، لا يفي ماله بها، فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه، لزمته إجابتهم، ويُستحب أن يظهر الحجر عليه؛ لتُجتنب معاملته، فإذا حُجر عليه ثبت بذلك أربعة أحكام: [أحدها]: تعلق حقوق الغرماء بعين ماله. [والثاني]: منع تصرفه فِي عين ماله. [والثالث]: أن منْ وجد عين ماله عنده، فهو أحق بها منْ سائر الغرماء، إذا وجدت الشروط. [الرابع]: أن للحاكم بيع ماله وإيفاء


(١) أخرجه الحاكم فِي "مستدركه" ٣/ ٢٧ وَقَالَ: صحيح عَلَى شرط الشيخين.
(٢) رواه مالك فِي "الموطإ" ٢/ ٧٧٠.