وَقَالَ الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه": "باب منْ أخذ أموال النَّاس يُريد أداءها، أو إتلافها".
ثم أخرج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"منْ أخذ أموال النَّاس يُريد أداءها، أدّى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله".
فَقَالَ فِي "الفتح" ٥/ ٣٣٢ - ٣٣٣: قوله: "باب منْ أخذ أموال النَّاس، يريد أداءها، أو إتلافها": حذف الجواب؛ اغتناءً بما وقع فِي الْحَدِيث، قَالَ ابن المنير: هذه الترجمة تشعر، بأن التي قبلها مُقَيَّدةٌ بالعلم بالقدرة عَلَى الوفاء، قَالَ: لأنه إذا عَلِمَ منْ نفسه العجز، فقد أخذ لا يريد الوفاء، إلا بطريق التمني، والتمني خلاف الإرادة.
قَالَ الحافظ: وفيه نظر؛ لأنه إذا نَوَى الوفاء، مما سيفتحه الله عليه، فقد نطق الْحَدِيث بأن الله يؤدي عنه، إما بأن يفتح عليه فِي الدنيا، وإما بأن يتكفل عنه فِي الآخرة، فلم يتعين التقييد بالقدرة فِي الْحَدِيث، ولو سُلِّم ما قَالَ، فهناك مرتبة ثالثة، وهو أن لا يعلم، هل يقدر، أو يعجز. انتهى.
وَقَالَ عند شرح قوله:"أدّى الله عنه": وظاهره يحل المسألة المشهورة، فيمن مات قبل الوفاء، بغير تقصير منه، كأن يعسر مثلا، أو يفجأه الموت، وله مال مخبوء، وكانت نيته وفاء دينه، ولم يوف عنه فِي الدنيا، ويمكن حمل الْحَدِيث عَلَى الغالب، والظاهر أنه لا تبعة عليه، والحالة هذه فِي الآخرة، بحيث يؤخذ منْ حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين، كما دل عليه حديث الباب، وإن خالف فِي ذلك ابن عبد السلام.
وقوله:"أتلفه الله": ظاهره أن الإتلاف يقع له فِي الدنيا، وذلك فِي معاشه، أو فِي نفسه، وهو علم منْ أعلام النبوة؛ لما نراه بالمشاهدة، ممن يتعاطى شيئا منْ الأمرين. وقيل: المراد بالإتلاف عذاب الآخرة. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها هَذَا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفيه زياد بن عمرو، وعمران بن حذيفة، وهما مجهولان؟.
[قلت]: إنما صحّ لأن له طرقًا، فقد رواه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فِي السند التالي، قَالَ الشيخ الألبانيّ رحمه الله تعالى فِي "الصحيحة" ٣/ ٢٦ رقم ١٠٢٩ بعد أن