للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منصور، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، وأشار إلى تفرد يعلى بذلك، ولم يتفرد به كما تراه. ورواه ابن ماجه، منْ حديث ابن عمر، بلفظ: "فإذا أحلت عَلَى مليء فاتبعه"، وهذا بتشديد التاء، بلا خلاف.

والمليء بالهمز: مأخوذ منْ الْمَلاء، يقال: مَلُؤ الرجل، بضم اللام: أي صار مَلِيا، وَقَالَ الكرماني: الْمَليّ، كالغنيّ لفظا ومعنى، فاقتضى أنه بغير همز، وليس كذلك، فقد قَالَ الخطّابيّ: إنه فِي الأصل بالهمز، ومن رواه بتركها، فقد سهله.

وَقَالَ فِي "المغني" -٧/ ٦٢ - ٦٣: ما حاصله: المليء هو القادر عَلَى الوفاء، غير الجاحد، ولا المماطل، جاء فِي الْحَدِيث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "إن الله تعالى يقول، منْ يُقرض المليء، غير الْمُعْدِمِ"، رواه مسلم (١)، وَقَالَ الشاعر [منْ الطويل]:

تُطِيلِينَ لَيَّانِي وَأَنْتِ مَلِيئَةٌ … وَأُحْسِنُ يَا ذَاتَ الْوِشَاحِ التَّقَاضِيَا

يعني قادرة عَلَى وفائي. وَقَالَ أحمد فِي تفسير المليء: كأن المليء عنده أن يكون مليا بماله، وقوله، وبدنه، ونحو هَذَا. انتهى.

(وَالظُّلْمُ مَطْلُ الْغَنِيِّ) جملة منْ مبتدإ وخبره: أي إن مطل الغنيّ منْ الظلم، وأطلق ذلك للمبالغة فِي التنفير عن المطل. والمشهور فِي الرواية: "مطلُ الغنيّ ظلم"، وَقَدْ رواه الجوزقي منْ طريق همام، عن أبي هريرة، بلفظ: "إن منْ الظلم مَطْلَ الغني"، وهو يفسر رواية المصنّف.

وأصل المطل: المدّ، قَالَ ابن فارس: مَطَلتُ الحديدةَ أَمطلُها مَطْلاً: إذا مددتها؛ لتطول، وَقَالَ الأزهري: المطل: المدافعة.

والمراد بالمطل هنا: تأخير ما استُحِق أداؤه بغير عذر، والغنيُّ مختلف فِي تفسيره، ولكن المراد به هنا مَن قَدَر عَلَى الأداء، فأخّره، ولو قَالَ فقيرا، كما سيأتي البحث فيه، وهل يَتَّصِف بالمطل، منْ ليس القدر الذي استُحق عليه حاضرا عنده، لكنه قادر عَلَى تحصيله بالتكسب مثلا؟ أطلق أكثر الشافعيّة عدم الوجوب، وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا، وفَصَّل آخرون بين أن يكون أصل الدين، وجب بسبب يعصي به، فيجب، وإلا فلا.

وقوله: "مطلُ الغني": هو منْ إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور، والمعنى أنه يحرم عَلَى الغني القادر أن يمطل بالدين، بعد استحقاقه، بخلاف العاجز. وقيل: هو منْ إضافة المصدر للمفعول، والمعنى: أنه يجب وفاء الدين، ولو كَانَ مستحقه غنيا،


(١) لفظ مسلم: "منْ يقرض غير عدوم، ولا ظلوم"، وفي لفظ: "منْ يقرض غير ظلوم، ولا عدوم".