(ومنها): أن فيه الزجرَ عن المطل، واختُلِف هل يُعَدُّ فعله عمدا كبيرة، أم لا؟، فالجمهور عَلَى أن فاعله يَفسُقُ، لكن هل يثبت فسقه بمطلة مرة واحدة، أم لا؟ قَالَ النوويّ: مقتضى مذهبنا اشتراط التكرار، ورده السبكي فِي "شرح المنهاج" بأن مقتضى مذهبنا عدمه. واستَدلَّ بأن منع الحق بعد طلبه، وابتغاء العذر عن أدائه، كالغصب، والغصب كبيرة، وتسميته ظلما يُشعر بكونه كبيرة، والكبيرة لا يشترط فيها التكرر، نعم لا يحكم عليه بذلك، إلا بعد أن يظهر عدم عذره. انتهى.
واختلفوا هل يفسق بالتأخير، مع القدرة قبل الطلب، أم لا؟، فالذي يُشعر به حديث الباب التوقف عَلَى الطلب؛ لأن المطل يُشعر به، ويدخل فِي المطل كُلُّ منْ لزمه حقّ، كالزوج لزوجته، والسيد لعبده، والحاكم لرعيته، وبالعكس.
(ومنها): أنه استُدِلّ به عَلَى أن العاجز عن الأداء، لا يدخل فِي الظلم، وهو بطريق المفهوم؛ لأن تعليق الحكم بصفة منْ صفات الذات، يدل عَلَى نفى الحكم عن الذات، عند انتفاء تلك الصفة، ومن لم يقل بالمفهوم، أجاب بأن العاجز لا يسمى ماطلا. (ومنها): أن الغني الذي ماله غائب عنه، لا يدخل فِي الظلم، وهل هو مخصوص منْ عموم الغني، أو ليس هو فِي الحكم بغنيّ؟ الأظهر الثاني؛ لأنه فِي تلك الحالة يجوز إعطاؤه منْ سهم الفقراء، منْ الزكاة، فلو كَانَ فِي الحكم غنيا، لم يجز ذلك.
(ومنها): أنه استُنبط منه أن المعسر لا يحبس، ولا يطالب حَتَّى يوسر، قَالَ الشافعيّ: لو جازت مؤاخذته، لكان ظالما، والفرض أنه ليس بظالم؛ لعجزه، وَقَالَ بعض العلماء: له أن يحبسه، وَقَالَ آخرون: له أن يلازمه.
(ومنها): أنه استُدلّ به عَلَى أن الحوالة إذا صحت، ثم تعذر القبض بحدوث حادث، كموت، أو فَلَس، لم يكن للمحتال الرجوع عَلَى المحيل؛ لأنه لو كَانَ له الرجوع، لم يكن لاشتراط الغنى فائدة، فلما شُرطت عُلم أنه انتقل انتقالا، لا رجوع له، كما لو عَوّضه عن دينه بعوض، ثم تلف العوض فِي يد صاحب الدين، فليس له رجوع. وَقَالَ الحنفية: يرجع عند التعذر، وشبهوه بالضمان.
(ومنها): أنه استُدلَ به عَلَى ملازمة المماطل، وإلزامه بدفع الدين، والتوصل إليه بكل طريق، وأخذه منه قهرا. (ومنها): أنه استدل به عَلَى اعتبار رضى المحيل والمحتال دون المحال عليه؛ لكونه لم يُذكر فِي الْحَدِيث، وبه قَالَ الجمهور، وعن الحنفية: يشترط أيضا، وبه قَالَ الإصطخري منْ الشافعيّة. (ومنها): أن فيه الإرشادَ إلى ترك الأسباب القاطعة لاجتماع القلوب؛ لأنه زَجَرَ عن المماطلة، وهي تؤدى إلى ذلك. ذكره فِي "الفتح" ٥/ ٢٣٠ - ٢٣١.