للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

برئت ذمة المحيل فِي قول عامة الفقهاء، وسيأتي تمام البحث فِي هَذَا فِي المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي الأمر فِي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فليتبع"، هل هو للوجوب، أم للاستحباب؟:

قَالَ فِي "الفتح" ٥/ ٢٣٠ - : ما حاصله: ذهب الجمهور إلى أنه للاستحاب، وَوَهِمَ منْ نقل فيه الإجماع. وقيل: هو أمر إباحة وإرشاد، وهو شاذّ، وحمله أكثر الحنابلة، وأبو ثور، وابن جرير، وأهل الظاهر عَلَى ظاهره، وعبارة الخرقي: ومن أُحيل بحقه عَلَى مليء، فواجب عليه أن يحتال. انتهى.

وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى عند شرح قول الخرقيّ المذكور: ما حاصله: والظاهر أن الخرقيّ أراد بالمليء هاهنا القادر عَلَى الوفاء، غير الجاحد، ولا المماطل، قَالَ: فإذا أحيل عَلَى منْ هذه صفته، لزم المحتال، والمحال عليه القبول، ولم يعتبر رضاهما. وَقَالَ أبو حنيفة: يعتبر رضاهما؛ لأنها معاوضة، فيعتبر الرضا منْ المتعاقدين. وَقَالَ مالك، والشافعي: يعتبر رضي المحتال؛ لأن حقه فِي ذمة المحيل، فلا يجوز نقله إلى غيرها بغير رضاه، كما لا يجوز أن يجبره عَلَى أن يأخذ بالدين عرضا، فأما المحال عليه، فَقَالَ مالك: لا يعتبر رضاه، إلا أن يكون المحتال عدوه. وللشافعي فِي اعتبار رضائه قولان: أحدهما: يعتبر، وهو يحكى عن الزهريّ؛ لأنه أحد منْ تتم به الحوالة، فأشبه المحيل. والثاني: لا يعتبر؛ لأنه أقامه فِي القبض مقام نفسه، فلم يفتقر إلى رضي منْ عليه الحق، كالتوكيل.

قَالَ: ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتبع أحدكم عَلَى مليء فليتبع"، ولأن للمحيل أن يوفي الحق الذي عليه بنفسه، وبوكيله، وَقَدْ أقام المحال عليه مقام نفسه فِي التقبيض، فلزم المحال القبول، كما لو وكل رجلا فِي إيفائه، وفارق ما إذا أراد أن يعطيه عما فِي ذمته عرضا؛ لأنه يعطيه غير ما وجب له، فلم يلزمه قبوله. انتهى "المغني" ٧/ ٦٢/ ٦٣.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله الحنابلة، وأبو ثور، وابن جرير، وأهل الظاهر منْ كون الأمر للوجوب، وأنه يجب عَلَى المحال قبول، إذا توفّرت الشروط هو الأرجح؛ لأمره -صلى الله عليه وسلم- بذلك، والأصل فِي الأمر الوجوب، إلا لصارف، ولا يوجد هنا صارف، منْ نصّ، ولا إجماع، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم، هل يرجع المحتال عَلَى المحيل بعد الحوالة، أم لا؟: