للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المدعَى عليهم، فأَبَوا.

وأما قول بعضهم: إن ذكر البينة وَهَمٌ؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم-، قد عَلِمَ أن خيبر حينئذ، لم يكن بها أحد منْ المسلمين، فدعوى نفي العلم مردودة، فإنه وإن سُلِّم أنه لم يسكن مع اليهود فيها أحد منْ المسلمين، لكن فِي نفس القصة، أن جماعة منْ المسلمين خرجوا يمتارون تمرا، فيجوز أن تكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك، وإن لم يكن فِي نفس الأمر كذلك، وَقَدْ وجدنا لطلب البينة، فِي هذه القصة شاهدا منْ وجه آخر، أخرجه النسائيّ ٤/ ٤٧٢٢ - منْ طريق عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده: أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلا عَلَى أبواب خيبر، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقم شاهدين عَلَى منْ قتله، أدفعه إليك برمته"، قَالَ: يا رسول الله، أَنَّى أُصيب شاهدين؟، وإنما أصبح قتيلا عَلَى أبوابهم، قَالَ: "فتحلف خمسين قسامة"، قَالَ: فكيف أحلف عَلَى ما لا أعلم؟، قَالَ: "تستحلف خمسين منهم"، قَالَ: "كيف وهم يهود؟ ".

قَالَ الحافظ: وهذا السند صحيح حسن، وهو نَصٌّ فِي الحمل الذي ذكرته، فتعين المصير إليه.

وَقَدْ أخرج أبو داود أيضا، منْ طريق عباية بن رفاعة، عن جده رافع بن خديج، قَالَ: أصبح رجل منْ الأنصار، بخيبر مقتولا، فانطلق أولياؤه إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "شاهدان يشهدان عَلَى قتل صاحبكم"، قَالَ: لم يكن ثَمَّ أحد منْ المسلمين، وإنما هم اليهود، وَقَدْ يجترئون عَلَى أعظم منْ هَذَا. انتهى "فتح" ١٤/ ٢٢٥.

(فَوَدَاهُ) أي أعطى ديته (رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، مِنْ عِنْدِهِ) وفي رواية: "منْ قِبَله" بكسر القاف، وفتح الموحّدة: أي منْ جهته. وفي رواية سعيد بن عُبيد الآتية: "فوداه مائة منْ إبل الصدقة".

قَالَ فِي "الفتح" -١٤/ ٢٢٦ - : زعم بعضهم أنه غلط منْ سعيد بن عبيد؛ لتصريح يحيى ابن سعيد بقوله: "منْ عنده"، وجمع بعضهم بين الروايتين، باحتمال أن يكون اشتراها منْ إبل الصدقة، بمال دفعه منْ عنده، أو المراد بقوله: "منْ عنده": أي بيت المال الْمُرَصَّد للمصالح، وأَطلَقَ عليه صدقة، باعتبار الانتفاع به مجانا؛ لما فِي ذلك منْ قطع المنازعة، وإصلاح ذات البين، وَقَدْ حمله بعضهم عَلَى ظاهره، فحكى القاضي عياض، عن بعض العلماء، جواز صرف الزكاة فِي المصالح العامة، واستدل بهذا الْحَدِيث، وغيره، وتقدم شيء منْ ذلك فِي "كتاب الزكاة"، فِي الكلام عَلَى حديث أبي لاس -رضي الله عنه-، قَالَ: "حملنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، عَلَى إبل منْ إبل الصدقة، فِي الحج"، وعلى هَذَا فالمراد بالعندية، كونها تحت أمره، وحكمه، وللاحتراز منْ جعل ديته عَلَى اليهود، أو غيرهم.